نقد كتاب العقل المحض
كتاب نقد العقد المحض أو الخالص مؤلفه كانط أو كانت حسب ما قرأناه من البعض ومن طرائف ما كنا نسمعه من معلمى التربية وعلم النفس فى دار معلمى طنطا أن أستاذا جامعيا توعد طالب دراسات عليا بعدم النجاح فى رسالته لأنه نطق اسم أحدهم وهو فرويد فريد ونفذ ما قاله
هذا الكتاب من أصعب أو أسوأ الكتب التى طالعتها فى حياتى فقد كانت معدلات القراءة عندى فى الكتب على الحاسب ما بين ثلاثين إلى سبعين وأحيانا مائة صفحة وأما هذا الكتاب فكان معدل القراءة اليومى فيه من خمس إلى عشر صفحات وأحيانا ثلاث صفحات فى أحيان قليلة وهو يتجاوز الأربعمائة صفحة وقد زاد من صعوبة القراءة ما حاول المترجم موسى وهبة عمله حيث اخترع مصطلحات بعضها صحيح وبعضها خاطىء فبدلا من المفهوم اختار الأفهوم وبدلا من التجريبى اختار الأمبيرى وبدلا ملكة الفهم أو الفهامة اختار الفاهمة وبدلا من المعرفة أو التعرف اختار ابقاء المصطلح الترسندالى على حاله من اللغة الألمانية وبدلا من الكونية استعمل الكسمولوجية.... ومن ليس لديه معرفة بتلك الأمور يحتاج لتذكر معانيها خاصة عندما يقرأ بعض الصفحات يوما ويترك القراءة فيه أياما حيث تبدو تلك الصفحات طلاسم وأنا من تلك النوعية
ذكرنى هذا الكتاب بكتاب فلسفى أخر كنت استعرته من مكتبة دار معلمى طنطا فى بداية الدراسة بها فى سن السادسة عشر وكان كتابا يتحدث عن الغائية ويبدو أنه كان مترجما عن الفرنسية لفيلسوف من المحدثين وبدا لى أيامها طلاسم فى طلاسم وما زالت الغائية كلفظ يبدو كطلسم فمعناها العلة أو السبب فكل أمر مخلوق أو حادث لعلة أى سبب وعندما أريد تذكر معناه ألجأ للبحث عنه فالتعبيرات الفلسفية ثقيلة على النفس خاصة عندما يكون لكل فيلسوف تعريف خاص به فلا تتذكر هذا أو ذاك
الرجل فى بداية الكتاب هاجم الفلسفة القديمة وأنها لم تقم بنيانا يصمد للنقد وتعهد الرجل بإقامة البنيان الصامد وأنه توصل إليه كما فى قوله فى ص27 من ترجمة موسى وهبة :
"لقد سلكت إذن هذه الطريق الوحيدة الباقية وأفخر بأنى قد توصلت عبرها إلى إزاحة جميع الأخطاء التى كانت تقسم حتى الآن العقل البشرى على نفسه فى استعماله المتحرر من التجربة ولم أنح أسئلته متذرعا بعجز العقل البشرى بل على العكس لقد عينتها تعيينا تاما وفقا لمبادىء وبعد أن اكتشفت نقطة سوء تفاهم العقل مع نفسه حللتها بما يرضيه تماما "
المصيبة أن الرجل بعد حوالى أكثر من ثلاثمائة صفحة من الكلام الذى هو إعادة وتكرار لنفس الكلام ونفس الحجج ونفس الكلمات هدم البناء الذى أقامه وأعلن أن كل الفلسفات حتى البناء الصامد تنتهى لشىء واحد وهو فهم عامة الناس فقال :
"لا أريد أن أمدح الخدمات التى قدمتها الفلسفة للعقل البشرى بالجهود المضنية لنقده حتى وإن وجب أن تكون المحصلة سالبة وحسب ......وأنه لا يمكن لأرقى فلسفة أن تبلغ بنا بالنظر إلى الغايات الأساسية للطبيعة البشرية أبعد مما يبلغ الخيط الموجه الذى أسلمته الطبيعة للفاهمة العامية "ص396
وأعلنها الرجل صريحة أن رجاء البشرية خاب فى الفلسفة التى تفكر فيما وراء الغيب أو ما يسمونه ما وراء الطبيعة أى الميتا فيزيقا فقال :
"تلك هى إذن الفكرة العامة للميتافيزيقا التى أصابها الإفلاس العام لأننا بعد أن انتظرنا منها فى البداية أكثر ما يمكن أن نطلب منها بتعقل وبعد أن علقنا عليها الآمال الجميلة إذا برجائنا يخيب "ص404
وأعلن الرجل أن فلسفته الترسندالية أى إمكان المعرفة لا تجيب جوابا شافيا عن كل موضوع كما أعلن فى بداية الكتاب فقال :
"لكن ليس فى الفلسفة الترسندالية ما يمكن أن نطلب بصدده بحق جوابا شافيا فيما يخص قوام الموضوع من دون أن يكون مسموحا للفيلسوف بأن يتهرب من الجواب متذرعا بإبهام لا يسبر سوى الأسئلة الكسمولوجية "ص250
وأعلنها الرجل صراحة أن لا حل سوى الوحى الإلهى فى قوله :
"وليس لدينا كى نحاكم أفعالنا من مقياس سوى سلوك ذلك الإنسان الإلهى الذى نحمله فينا والذى نقارن أنفسنا به كى نحاكم ونؤدب أنفسنا إنما من دون أن يمكننا بلوغه ذات مرة "ص287
الاربعمائة صفحة أو تزيد هى بحق كما قال أحد أصحاب الرجل وهو هيرز عندما قرأ نصف مسودة الكتاب أعادها لكانط، متذرعاً بخشيته من الجنون لو أكمل قراءةَ الكتاب كله
حاول كانط فى فلسفته كما فهمت من الكتاب إعادة تقسيم المعرفة فى الإنسان فقسمها لمحضة وتجريبية أى أمبيرية كما ترجمها موسى وهبة وقسم كل منها لتقسيمات وفى هذا قال:
" والفلسفة الترسندالية هى فكرة علم يقوم نقد العقل المحض برسم مخططه الكامل معماريا ويضمن فى الوقت نفسه تمامية أجزاء البنيان ورسوخها وهى نظام كل مبادىء العقل المحض ولا يسمى هذا النقد نفسه فلسفة ترسندالية لسبب واحد هو انه كى يكون نظاما كاملا يجب أن يتضمن أيضا تحليلا مفصلا لكل المعرفة البشرية القبلية "ص55
وقد بين كانط أن فلسفته ترتكز على ثلاث موضوعات وهى الذات الإلهية وحرية الإنسان وخلوده وهى القضايا التى يجب أن تعالجها كل فلسفة وانتهى كانت فى الذات الإلهية أى الله أنه لا يمكن للفلسفة أيا كانت أن تثبت وجود الله أو تنفيه فالله هو مجرد مقولة فى النفس الإنسانية لا يمكن إثباتها بالتجربة والحق أنه يمكن إثبات وجود الله بتجربة الكلام فالمخلوق سواء إنسان رضيع او مخلوق لو وضع بمفرده دون تعليم للكلام من الغير لن يتكلم على الإطلاق لأن الكلام يحتاج لمعلم وهذه التجربة تثبت وجود المعلم الأول الذى هو الله
ومن ثم وجد الرجل نفسه يترك فلسفته فى الربع الأخير من الكتاب ويتجه نحو الوحى الإلهى فعن طريقه وحده كما يقول يمكن إثبات وجود الله وحرية الإنسان وخلوده ومع لجوء الرجل للدين فى النهاية لم يعلن مع ذلك تركه مذهبه وإن تشكك فيه
تناقضات كانت فى الكتاب :
-أعلن الرجل أن كل معارفنا تكون مع التجربة فى أقواله :
"تبدأ كل معرفتنا مع التجربة ولا ريب فى ذلك البتة "ص45
"إذن لا تتقدم أى معرفة عندنا زمنيا على التجربة بل معها تبدأ جميعا "ص45
ومع هذا اعترف أنها ليست كلها وليدة التجربة وإنما من الجائز أن تكون وليدة الانطباعات الحسية فى قوله :
"لكن على الرغم من أن كل معرفتنا تبدأ مع التجربة فإنها مع ذلك لا تنبثق بأسرها من التجربة لأنه من الجائز أن تكون معرفتنا التجريبية عينها مركبة مما نتلقاه من الانطباعات الحسية "ص45
وأقر أن بعض المعارف خارجة عن حقل جميع التجارب فقال :
"ثمة ما هو أجدر بالقول من كل ما تقدم وهو إن بعض المعارف تخرج حتى عن حقل جميع التجارب الممكنة "ص47
-"فقضية مثل كل تغير له سببه هى قضية قبلية إنما ليست محضة لأن التغير هو أفهوم يمكن أن يستخرج من التجربة وحسب "ص46
الرجل هنا مصر على وجود المحض أو الخالص من المعارف والمحض ما لا يثبت بتجربة وهو كلام يناقض أن كل معارفنا مبنية على التجربة فى أقواله :
"تبدأ كل معرفتنا مع التجربة ولا ريب فى ذلك البتة "ص45
"إذن لا تتقدم أى معرفة عندنا زمنيا على التجربة بل معها تبدأ جميعا "ص45
-"ويتكشف لا فى الأحكام وحسب بل أيضا فى الأفاهيم أصل بعضها القبلى انزع تدريجيا كل ما هو امبيرى من أفهومك التجربى للجسم "ص47
هنا الجسم ليس أمبيريا أى تجريبيا وهو ما يناقض كون الأمبيرى غير متجسم ومتجسم فى فى قوله :
"كذلك إذا أهملت جانبا كل الخصائص التى تفيدك إياها التجربة فى أفهومك الأمبيرى عن أى موضوع سواء كان متجسما أو غير متجسم "ص47
-" والفلسفة الترسندالية هى فكرة علم يقوم نقد العقل المحض برسم مخططه الكامل معماريا ويضمن فى الوقت نفسه تمامية أجزاء البنيان ورسوخها وهى نظام كل مبادى العقل المحض ولا يسمى هذا النقد نفسه فلسفة ترسندالية لسبب واحد هو انه كى يكون نظاما كاملا يجب ان يتضمن أيضا تحليلا مفصلا لكل المعرفة البشرية القبلية "ص55
نلاحظ تناقض الرجل فى نقده فمرة فى أول الفقرة يسميه فلسفة ترسندالية أى إمكانية المعرفة ومرة يرفض أن يسميها فلسفة ترسندالية أى إمكانية المعرفة
-"وما يصبو إليه كل تفكير إلى توسله هو الحدس لكن هذا الحدس لا يوجد إلا إذا أعطى الموضوع لنا وهو أمر ممتنع بدوره "ص59
الرجل هنا يؤكد استحالة وجود أى موضوع بسبب عدم وجود الحدس عند التفكير ومع هذا يؤكد أن التفكير وهو الفكر لابد أن يكون متصلا بالحدوس فى قوله :
"ويجب على كل فكر أن يكون على صلة فى النهاية بحدوس سواء تم ذلك مباشرة أم بطرق ملتوية بواسطة بعض العلامات ومن ثم بالحساسية عندنا حيث لا يوجد عندنا طريقة أخرى يمكن أن يعطى بها أى موضوع "ص59
فى الهامش ص67"يمكننى بالطبع أن أقول إن تصوراتى يتلو بعضها بعضا لكن ذلك يعنى فقط أننا نعيها بوصفها فى تتالى زمنى أى بموجب صورة الحس الباطنى مما يعنى أن الزمان ليس شيئا فى ذاته ولا أى تعين ملازم للأشياء موضوعيا "ص67
هنا الزمان ليس شيئا فى ذاته يعنى لا شىء ومع هذا موجود قمة الجنون ويناقض كانت نفسه فيجعل الزمن مكون من أشياء فيه تتغير مما يعنى أنه فى النهاية شىء يضم تلك الأشياء فى قوله :
"وليس بوسع الاستطيقا الترسندالية من ثم أن تعد من بعد معطياتها القبلية أفهوم التغير لأن الزمان ليس هو نفسه الذى يتغير بل شىء ما فى الزمان "ص69
ونلاحظ العبارة الجنونية لأن الزمان ليس هو نفسه الذى يتغير بل شىء ما فى الزمان فكأن أجزاء الزمان وهى الشىء المتغير فيه ليس من ذات الزمان مع أنه قال أنه فى الزمان أى فى ذات الزمان
-"إن كل ما فى معرفتنا ينتمى إلى الحدس – إذن ما عدا الشعور باللذة والألم والإرادة التى ليست معارف البتة- يتضمن مجرد علاقات "ص72
هنا كل معارفنا تنتمى للحدس وحده وهو ما يناقض كونها تنتمى للحدس والأفاهيم فى قوله :
"تتولد معرفتنا من مصدرين أساسين فى الذهن الأول هو استقبال التصورات – قدرة تلقى الانطباعات- والثانى هو القدرة على معرفة موضوع بهذه التصورات – تلقائية الأفاهيم بالأول يعطى لنا الموضوع وبالثانى يفكر بعلاقة مع ذلك التصور = بوصفه مجرد تعين للذهن يشكل الحدس والأفاهيم إذن عنصرى كل معرفة لدينا "ص75
-"تتولد معرفتنا من مصدرين اساسين فى الذهن الأول هو استقبال التصورات – قدرة تلقى الانطباعات- والثانى هو القدرة على معرفة موضوع بهذه التصورات – تلقائية الأفاهيم بالأول يعطى لنا الموضوع وبالثانى يفكر بعلاقة مع ذلك التصور = بوصفه مجرد تعين للذهن يشكل الحدس والأفاهيم إذن عنصرى كل معرفة لدينا "ص75
هنا يوجد مصدرين منفصلين للمعرفة استقبال التصورات والقدرة على معرفة موضوع بهذه التصورات وهو ما يناقض أن المعرفة الناتجة من الفكر لا توجد إلا بكون الحواس والفاهمة كشىء واحد متحد فى قوله :
"فلا يسع الفاهمة أن تحدس شيئا ولا الحواس أن تفكر شيئا وباتحادهما فقط يمكن أن تتولد المعرفة "ص75
-"‘من الأفاهيم التى نكتشفها فقط على هذا النحو مصادفة ستمثل دون أى ترتيب ودون أى وحدة نظامية بل إننا إنما نجمعها وفق أوجه الشبه ونضعها حسب كمية مضمونها انطلاقا من الأبسط إلى الأكثر تركيبا فى متواليات لا تتصف بأى نظام على الرغم من أنها ركبت منهجيا بطريقة معينة "ص83
الكلام هنا متناقض فنحن نجمع وفق أوجه الشبه ونضعها حسب كمية مضمونها انطلاقا من الأبسط إلى الأكثر تركيبا فى متواليات وهو يسمى هذا أنه ليس نظاما "لا تتصف بأى نظام " ومع هذا يجعلها نظاما بقوله " ركبت منهجيا بطريقة معينة " فالمنهج والطريقة المعينة ليست سوى نظاما
-"وإنا إذا نسخنا ذاتنا أو حتى مجرد القوام الذاتى للحواس بعامة فسيختفى كل قوام الأشياء وكل علاقاتها فى المكان والزمان بل المكان والزمان عينهما لأنها بما هى ظاهرات لا يمكن أن توجد فى ذاتها بل فينا وحسب "ص69
هنا الزمان والمكان ظاهرات فى ذاتنا أى فينا وهو ما يخالف كونهما ملازمين للذات أى خارج الذات بجوارها وليس فيها فى قوله :
"وحتى لو تمكنا من رفع حدسنا هذا إلى أعلى درجة من الوضوح فلن نقترب أكثر من قوام الأشياء فى ذاتها ذلك أننا لا نعرف على أى حال معرفة تامة سوى نمط حدسنا أى حساسيتنا الخاضعة أبدا لشرطى الزمان والمكان الملازمين أصلا للذات "ص70
-"ولأن العقل هو القدرة التى تمنحنا مبادىء المعرفة القبلية فإن العقل المحض هو ذاك الذى يتضمن مبادىء معرفة شىء ما على نحو قبلى تماما "ص54
العقل هنا القدرة التى تمنح مبادىء المعرفة وهو ما يناقض كونه القدرة على المبادىء دون منحها فى قوله :
"وقد وصفنا فى القسم الأول من منطقنا الترسندالى الفاهمة بالقدرة على القواعد ونفرق هنا بين العقل وبينها بان نسميه القدرة على المبادىء"ص188
والتعريفان كلاهما يناقضان كون العقل قدرة على الاستدلال على الحكم فى قوله :
"والعقل من حيث هو القدرة على صورة منطقية معينة للمعرفة هو القدرة على الاستدلال على الحكم بتوسط "ص201
ومن المعروف أن المبادىء تطبق على الأجزاء بينما الاستدلال يقودنا لمبادىء أى أحكام
-"فحيث إن قسما من هذه المعارف كالمعارف الرياضية هو من زمان فى حوزة اليقين"ص48
هنا الرياضة معارف ومع هذا ناقض نفسه فأعلن أنها ليست معارف إلا بفروض فى قوله :
"وبالتالى فإن جميع الأفاهيم الرياضية ليست بحد ذاتها معارف إلا إذا افترضنا أن ثمة أشياء لا تعرض علينا إلا وفقا لصورة ذلك الحدس الحسى المحض "ص106
-"مثال بين نقطتين لا يمكن أن نمد سوى خط مستقيم واحد "و"لا يمكن لخطين مستقيمين أن يحيطا بأى مكان "الخ وتلك هى مسلمات لا تتعلق أصلا إلا بالكموم بما هى كذلك "ص129
"وإليكم القضية لا يمكن لخطين مستقيمين أن يضما أى مكان وأن يشكلا من ثم أى شكل حاولوا أن تستمدوا هذا القضية من أفهوم الخط المستقيم وأفهوم العدد اثنان وخذوا القضية الأخرى إنه بثلاثة خطوط مستقيمة يمكن أن نؤلف شكلا "ص71
فى القولين السابقين لا يمكن لخطين مستقيمين الاحاطة بأى شكل أى لا يشكلا شكلا ما وهو ما يناقض وجود شكل محاط بخطين مستقيمين فى قوله :
"فليس فى أفهوم شكل محاط بخطين مستقيمين أى تناقض "ص153
-"ذلك لأن القضايا الهندسية يقينية كلها أعنى إنها مربوطة بوعى لضرورتها وعلى سبيل المثال المكان ذو أبعاد ثلاثة وحسب "ص62
هنا سبب يقينية الهندسة أو الرياضة بعامة أنها مربوطة بوعى لضرورتها فهنا الضرورة هى سبب اليقين وهو ما يناقض كون السبب المعارف القبلية فى قوله :
"ومع ذلك فإن الهندسة تتابع سيرها الآمن عبر المعارف القبلية وحدها من دون أن يكون بها حاجة إلى أن تطلب من الفلسفة شهادة تثبت الأصل المحض والشرعى لأفهومها الأساسى المكان "ص95
ومع هذا ناقض السبب فقال ان سبب اليقين وهو متانة الرياضة التعريفات والمسلمات والبراهين فى قوله :
"تستند متانة الرياضة إلى التعريفات والمسلمات والبراهين "ص353
وناقض نفسه مرة أخرى فجعل السبب هو الحدس وهو الحساسية أى الإحساس فقال :
"وعليه فإن جميع المبادىء الهندسية مثال مجموع زاويتين فى المثلث هو أكثر من الثالثة ليست مستنتجة البتة من أفاهيم عامة للخط وللمثلث بل من الحدس وذلك قبيلا وبيقين ضرورى "ص61
مسألة اليقين الرياضى الوهمى سبق وتناولتها من خلال نقدى لكتاب نافذة على فلسفة العصر لزكى نجيب محمود وأنقل ما سبق أن قلته هناك للفائدة:
لا يقين فى الرياضيات :
يقول زكى نجيب محمود فى مقاله عن برتراند رسل فى كتاب نافذة على فلسفة العصر ص118 "وإنك لتعلم بدون شك أن الرياضيات كانت وما زالت بالطبع مضرب المثل فى المعرفة اليقينية التى لا تشوبها أدنى درجات الشك ومن ذا يشك أقل شك فى أن 2يضافان إلى 2 تكون 4 " والشك فى الرياضيات واجب فإذا كان كل واحد منا غالبا يشك فى وجود الله فى فترة من فترات حياته فلماذا لا نشك فى الرياضيات ؟لقد شك عدد قليل جدا من البشر فى الرياضيات والوحيد الذى أعرفه منهم هو أوجست ستريند برج فى مسرحيته المعنونة حلم عندما قال على لسان الضابط المعلم "ما يتفق مع أحكام المنطق لا يمكن أن يكون خطأ ولنختبر صحة المقولة 1×1=1،ومن ثم2×2=2 "والرياضيات ليست وحيا إلهيا حتى لا نشك فيها فكل شىء عرضة للشك – وحتى الوحى الإلهى تعرض للشك من قبل كثيرين فمنهم من هدى الله ومنهم من ضل – عدا الوحى الإلهى لأنه من عند الله الذى لا يخطىء وأما الرياضة الحالية فبشرية والبشر يخطئون والذى أدى إلى أن الرياضة الحالية أصبحت يقين هو أن الناس لم يفكروا فيها ليعرفوا هل هى صواب أم خطأ وإنما أخذوها على أنها حقائق والحقائق عندهم لا ينبغى التفكير فيها عند الناس لأنها صواب لا يحتمل الخطأ
مصدر اليقين :
يقول زكى نجيب محمود فى مقاله سابق الذكر فى نفس الكتاب ص118و199"فكانت هذه الكتب – يقصد كتابى رسل أصول الرياضة وأسس الرياضة – إيذانا بفتح جديد فى دنيا الفلسفة كلها لأن أمرها لم يقتصر على الرياضة وحدها بل تعداها إلى هتك الستر الذى كان يخفى وراءه سر المعرفة اليقنية التى كانت مطلب الفلاسفة فى شتى العصور وإذا باليقين الرياضى مصدره أن قضايا الرياضة إذا ما حللت تكشفت عن تحصيلات حاصل لا ينبىء بشىء عن طبائع الأشياء وإذن لا ألغاز فى يقين الرياضة ما دامت كل معادلة رياضية ترتد إلى تشكيلة من رموز اتفق على أن يكون شطرها الأيسر هو نفسه شطرها الأيمن كأنما يقول القائل أن س هى س "وفى هذا المقطع الكلامى عدة أخطاء هى:
1- أن مصدر اليقين الرياضى هو أن الرياضة عند التحليل تكشف عن تحصيل حاصل لا يخبر عن طبائع الأشياء وبالطبع مصدر اليقين فى أى شىء هو إما التفكير فى الشىء من كل النواحى ومن ثم التأكد من صحته ومن ثم التيقن منه وإما عدم التفكير فى الشىء إطلاقا تصديقا لقول قيل لأن المصدق يعتبر القائل ثقة لا يكذب أو لا يقول خطا ومن ثم فمصدر اليقين الرياضى هو عدم التفكير فيها
2-أن تحليل الرياضة يكشف عن تحصيل حاصل لا يخبر عن طبيعة الأشياء ،يظن البعض أن الرياضة منعزلة عن الكون تماما مع أنها سارية فيه فى كل شىء فالهندسة مثلا موجودة فى تكوين كل مخلوق والحساب موجود فى الكون لعمل توازن المخلوقات ومن ثم فالرياضة عند التحليل تكشف عن جانب كونى فالعدد يكشف عن توازن المخلوقات والانحناء والميل والانكسار وغير هذا من مفاهيم الرياضة تكشف عن تكوين المخلوق وأثره على الأخرين ولى أن أسأل عدة أسئلة مثل من أين يعرف الإنسان أن الأعرج أعرج إذا لم يكن يعرف الانحراف والاستقامة ؟ومن أين يعرف أن الضوء ينكسر إذا لم يكن يعرف معنى الانكسار ؟ومن أين يعرف أن السموات 7 إذا لم يكن يعرف معنى الأعداد ؟
3-أن الرياضة لا ألغاز فيها بسبب أنها معادلة طرفها الأيسر هو نفسه طرفها الأيمن ،بل هناك ألغاز فيها حيث يخالف الطرف الأيمن الطرف الأيسر مثل 1×1=1 ،7×0=0فالطرف الأيمن فيه2 مع أنه ضرب مع أن الأيسر فيه واحد والمسألة الثانية فى طرفها الأول 7 وفى الثانى صفر فهل أكلته القطة مع أنها مسألة جمع متكرر ؟"
ومن أخطاء الرجل فى مسألة الرياضيات قوله :
"لا يمكن للتعريفات الرياضية أن تغلط مرة "ص354
أن التعريفات الرياضية لا يمكن أن تخطىء وهو كلام بلا دليل فتعريف الخط والشعاع أحدهما يناقض الأخر فالخط بلا بداية ولا نهاية والشعاع له بداية وليس له نهاية مع أنه جزء من الخط ومن ثم فالتعاريف بها تناقض كما أن وجود شىء بلا بداية ولا نهاية فى الكون محال لا يمكن إثباته
وأيضا قوله :
"كل الأحكام الرياضية تأليفية إن هذه القضية قد أفلتت حتى الآن على ما يبدو من ملاحظة محللى العقل البشرى بل إنها تضاد على ما يبدو كل تخميناتهم على الرغم من أنها لا تقبل النقض ومن أنها ذات نتائج مهمة جدا ذلك أنهم لما رأوا استدلالات الرياضيين تحصل كلها بموجب مبدأ التناقض "ص50
هذه القضية لم تفلت على حد علمى من ذلك الرجل الحالم أوجست ستريندبرج فقد فجر الرجل منطق الرياضة بما حكيناه مسبقا فى مسرحية حلم وجعله بتلك المقولة شىء يقبل النقض ويقبل الخطأ 1×1=1، 2×2=2، 3×3=3
والخطأ أيضا قوله :
"وإليكم القضية لا يمكن لخطين مستقيمين أن يضما أى مكان وأن يشكلا من ثم أى شكل حاولوا أن تستمدوا هذا القضية من أفهوم الخط المستقيم وأفهوم العدد اثنان وخذوا القضية الأخرى إنه بثلاثة خطوط مستقيمة يمكن أن نؤلف شكلا "ص71
أفهوم الخط المستقيم - وكلمة أفهوم تعنى مفهوم ولكن مترجمنا موسى وهبة أصر على ترجمة بعض الكلمات بغير المعروف وقد أصاب فى البعض وأخطأ فى البعض – كما عرفه أهل الرياضة هو من ضمن الجنون فالاستقامة لا يمكن أن تكون سوى خط واحد وكل ما عداه منحرف عنه ومن ثم لا يمكن أن نقول خطين مستقيمين ولا ثلاثة ولا غير ذلك فهناك خطأ فى التعريف وبدلا من أن تكون الخطوط مستقيم منحرفة منحنية منكسرة تم إخراج المنحرف وهو المائل عن المستقيم من التقسيم فأصبحت الخطوط المستقيمة طبقا للتعريف الخاطىء تقابل بعضها وتتقاطع وتكون أشكال
"فللأفهوم التجريبى الصحن شىء مجانس للأفهوم المحض الهندسى الدائرة لأن الاستدارة المفكرة فى الأول تحدس فى الثانى "ص118
بالطبع الصحن لا يجانس الدائرة دوما فالصحون تعتبر فى أدق تعبير وليس أصحه مخاريط دائرية أو بيضاوية غير كاملة
"فإذا قلت يرسم المثلث بثلاثة خطوط مجموع اثنين منها أكبر من الثالث"ص129
هذه المقولة قد تكون خاطئة فيمكن أن يكون الخط الواحد مقداره أكبر من مقدار الاثنين فى المثلث أو نفس المقدار جربوا فقط أن ترسموا آلاف المثلثات أو ألوفها ولابد أن تجدوا بعضها يخالف تلك المقولة خاصة المثلثات ذات القاعدة الكبيرة المنخفضة الارتفاع وقد رسمت عدة مثلثات كبيرة القاعدة حوالى 20 سم أو 21سم أو 22 أو 23 سم وجعلت ارتفاع التقاء الضلعين الأخرين منخفض نصف سم و سم أو 2سم فى وسط القاعدة أو قريبا من الوسط فنتجت مثلثات قاعدتها أكبر من ضلعيها الأخرين أو يساوى مقدار القاعدة
-"ومثلا مع الانقسام اللامتناهى للخطوط والزوايا "ص130
هذه المقولة خاطئة فالزوايا والخطوط لها نهاية فى الانقسام مهما صغرت أو قل قياسها فالأشياء الصغرى لا يمكن تقسيمها خاصة عندما تكون صغيرة جدا حيث أن المقسم وهو الخط لابد أن يصغر هو الأخر ومهما صغرنا من سمك الخط فستأتى لحظة لا يمكن تصغيره فيها ليقسم
-"وإنا إذا نسخنا ذاتنا أو حتى مجرد القوام الذاتى للحواس بعامة فسيختفى كل قوم الأشياء وكل علاقاتها فى المكان والزمان بل المكان والزمان عينهما لأنها بما هى ظاهرات لا يمكن أن توجد فى ذاتها بل فينا وحسب "ص69
هنا الزمان والمكان هم فينا وليسوا خارجنا وهو ما يناقض أنهما ملازمين للذات فالملازمة أن الإنسان يتحرك داخل المكان وعبر الزمان بينما وجودهم فينا يعنى أننا فى نفس الوقت الزمان والمكان ذاته وهو قوله :
"وحتى لو تمكنا من رفع حدسنا هذا إلى أعلى درجة من الوضوح فلن نقترب أكثر من قوام الأشياء فى ذاتها ذلك أننا لا نعرف على أى حال معرفة تامة سوى نمط حدسنا أى حساسيتنا الخاضعة أبدا لشرطى الزمان والمكان الملازمين أصلا للذات "ص70
-