نقد كتاب مبلغ الأرب في فخر العرب
لا يمكن أن نطلق على شهاب الدين أحمد بن محمد، ابن حجر الهيتمي (المتوفى: 974هـ) فى هذا الكتاب اسم المؤلف لأنه لم يؤلف الكتاب وإنما المختصر فالرجل وجد مؤلفا للحافظ العراقى طويلا بسبب كثرة الأسانيد وطرق الروايات فحذف الأسانيد واقتصر على بعض الطرق وفى هذا قال :
"ولما عزمت على هذا المقصد النافع إن شاء الله تعالى رأيت لشيخ الإسلام والحفاظ أبي الحسين عبد الرحمن العراقي تأليفا في ذلك حافلا، لكنه طوله بالأسانيد الكثيرة، والطرق المستفيضة الشهيرة، قصدت اختصاره في دون عشرة فصول، بحيث لا أفوت شيئا من مقاصده، وفوائده، مستعينا بالله تعالى، ومتوكلا عليه، ومستندا في سائر أموري إليه، إنه أكرم كريم، وأرحم رحيم وسميته (مبلغ الأرب في فخر العرب) ، ورتبته على مقدمة وفصول وخاتمة"
وأما سبب اختصار كتاب العراقى فهو :
"فإن كثيرين من الفرق الأعجمية، والطوائف العنادية جبلوا على بغض العرب، فوقعوا في مهاوى العطب جهلا بما اختصهم الله به من المزايا التي لا يؤتوها غيرهم، والعطايا المحققة لعلوا قدرهم، وعظيم خيرهم، حتى بلغنا عن بعض أولياء الله أنه قال: (جاهدت نفسي ستين سنة حتى خرج منها بغض العرب)
قد كثر من جمع جم، لا خلاف لهم إلا الوقيعة فيهم، والإستئثار بحقوقهم، فقصدت أن أتحفهم برسالة مختصرة جدا لتكون إن شاء الله تعالى كافة لمن اطلع عليها، أن يخوض فيهم بأدنى كلمة، وإلا حقت عليه الكلمة، فإن الجاهل قد يعذر بخلاف غيره، فإنه ربما عاجله ما يخاف، ويحذر"
الغريب فى المتعصبون للعرب والعجم على حد سواء أن كل منهم ينسب فضلهم المزعوم لأقوال النبى(ص) والله ورسوله (ص)برىء من الفريقين
استهل ابن حجر الهيتمى كتابه بعنوان كما يقال أول القصيدة كفر فقال:
"مقدمة العرب صفوة خلق الله"
ثم ذكر معتمده فى وصف العرب بصفوة الخلق فنقل الروايات التالية:
"صح عمن لا ينطق عن الهوى أن الله تعالى تخير العرب من خلقه، فقد روى الحاكم وصححه وتابعوه عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): (لما خلق الله الخلق اختار العرب، ثم اختار من العرب قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فأنا خيرة من خيرة)
وفي ثنايا حديث سنده لا بأس به، وإن تكلم الجمهور في غير واحد من رواته: (وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم) وفي حديث سنده حسن: (إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل، فقسم الناس قسمين، فقسم العرب قسما، وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما، وقسم مضر قسما، وقسم قريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير ما أنا منه) وروى مسلم: (إن الله اصطفى بني كنانة من بني اسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بن هاشم، واصطفاني من بني هاشم) وفي رواية لأحمد والترمذي وقال: حسن صحيح غريب: (إن الله اصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بن هاشم، واصطفاني من بني هاشم) "
الرجل اعتمد على هذا الحديث الذى قال فى أول الكلام عنه" صح عمن لا ينطق عن الهوى أن الله تعالى تخير العرب من خلقه" فى صحة عنوانه ومع هذا قال فى رواته " وإن تكلم الجمهور في غير واحد من رواته"
فكيف يكون الحديث صحيحا وبعض رواته مجروحين
الحديث مملوء بالمخالفات فالله لا يصطفى جماعات أى أسر بأكملها لوجود كفار فيها وإنما يصطفى الرسل (ص) كما قال تعالى "الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس"
وقريش معظمهم كفر بمحمد (ص) كما كان معظمهم عبدة أوثان لقرون عدة وقتل الكثير منهم فى معارك مع النبى(ص) فهل هؤلاء من المصطفين وكيف يكون أبوه الكافر مصطفى وقد قال فيه "إن أبى وأباك فى النار " كما فى الروايات وكيف يكون جده حسب الروايات كافر سمى ابنه عبد العزى وتمسك باسمه عبد المطلب طوال عمره ويكون مصطفى؟
ثم كيف اختار الله العرب وفد اباد الكثيرين منهم بسبب كفرهم كقوم هود (ص) وهم عاد وقوم صالح (ص) ثمود كما قال تعالى ""ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذى الأوتاد الذين طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد"
ثم ذكر الرجل فصلا فيمن هو والد العرب فقال:
" الباب الأول فصل في أب العرب:
جاء في حديث الترمذي وغيره وسنده حسن عن سمرة عن النبي (ص) قال: (سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم)
ولا يعارضه خبر البزار: (ولد نوح سام، وحام، ويافث، فولد سام العرب، وفارس، والروم، والخير فيهم، وولد يافث يأجوج ومأجوج، والترك، والصقالبة، ولا خير فيهم، وولد حام القبط والبربر والسودان) وذلك لأنه ضعيف من سائر طرقه"
الخطأ أن نوح(ص) أنجب أولادا هم سام وحام ويافث وهو كذب فالرجل لم ينجب سوى ابنه الكافر الذى غرق فبنى إسرائيل هم نسل من حملوا فى المركب مع نوح مصداق لقوله تعالى بسورة الإسراء "وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دونى وكيلا "فكيف يكون له سام وحام ويافث وهو ليس له بنين بعد غرق ولده الوحيد الكافر فلو كان العرب وبنو إسرائيل نسل سام المزعوم لذكر الله هؤلاء الولد المزعومين ؟
كمت أنه لم يذكر فى الناجين معه من المؤمنين أولادا وإنما ذكر والديه فقط وهو قوله تعالى "رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات"
ثم ذكر فصلا يوجب على المسلمين حب العرب فقال :
"فصل حب العرب من محبة النبي(ص):
مر عنه (ص) في المقدمة: (فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم) وفي الحديث: (حب قريش إيمان، وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان، وبغضهم كفر، من أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني) سنده ضعيف، وتصحيح الحاكم له مردود
فصل ينبغي محبة العرب لثلاث
لقوله (ص): لقوله (ص): (أحبوا العرب لثلاث) وفي رواية:
(أحفظوني في العرب لثلاث لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي) سنده ضعيف، وتصحيح الحاكم له مردود أيضا وأصح منه على ضعفه أيضا قوله (ص): (أنا عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي)"
الخطأ هنا مطالبتنا بحب العرب وهم من يتحدثون العربية ويخالف هذا أن كثير من العرب كفار والله لا يحبهم مصداق لقوله "والله لا يحب كل كفار آثيم "وقد نهانا عن اتخاذ الآباء والإخوان العرب وغيرهم أولياء إن فضلوا الكفر على الإسلام وفى هذا قال تعالى "لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان "فكيف نحب من يكره الله ؟
ثم أورد فصلا أن العرب نور في الإسلام فقال :
"فصل يقال العرب نور في الإسلام:
لقوله (ص): (أحبوا العرب وبقاءهم، فإن بقاءهم نور في الإسلام، الحديث في سنده متكلم فيه"
الرجل هنا يذكر الحديث ويقول أنه لا يصح بسبب راوى فيه ومع هذا بنى عليه فصلا والسؤال كيف يكونون نور فى الإسلام إذا كان الإسلام هو النور نفسه كما قال تعالى "الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذين يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم فالذين أمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون"
ثم ذكر فصلا بعنوان يدل على الكفر وهو ذل الإسلام فقال
"فصل ذل العرب ذل الإسلام
لقوله (ص): (إذا ذلت العرب ذل الإسلام) وفي سنده ذلك المتكلم فيه"
والغريب أنه نفى صحة الحديث فقال" وفي سنده ذلك المتكلم فيه" ومع هذا بنى عليه حكما يتم تكفيره به فالإسلام لا يذل أبدا لكونه الدين وإنما يذل الناس فقط وهو كلام يتنافى مه تسمية الله كتابه بالعزيز
ثم ذكر فصلا أخر تحت عنوان :
"فصل بغض العرب مفارقة للدين:
لقوله (ص) لسلمان الفارسي: (يا سلمان لا تبغضني يفارقك دينك) فقال: يا رسول الله كيف أبغضك، وبك هداني الله؟ قال: (تبغض العرب) أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، ورواه أحمد أيضا، ولا انقطاع في طريقه خلافا لما قد يتوهم
فصل حب العرب إيمان وبغضهم نفاق
لقوله (ص): (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) وقال الدارقطني حديث غري بومرت رواية حب العرب إيمان وبغضهم كفر وفي رواية عبد الله بن أحمد: (لا يبغض العرب إلا منافق) وفي أخرى ما في سندها متكلم فيه: (لا يبغض العرب مؤمن، ولا يحب ثقيفا إلا مؤمن) وعن على قال: أسندت النبي (ص) إلى صدري فقال: (يا على أوصيك بالعرب خيرا)
وفي وصية عمر للخليفة بعده لما طعن، بعد توصيته بالمهاجرين، ثم الأنصار، ثم أهل الأمصار(وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشى أموالهم، فيرد على فقرائهم)"
يخالف أن كثير من العرب كفار والله لا يحبهم مصداق لقوله لقوله بسورة البقرة "والله لا يحب كل كفار آثيم "وقد نهانا عن اتخاذ الآباء والإخوان العرب وغيرهم أولياء إن فضلوا الكفر على الإسلام وفى هذا قال تعالى "لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان "فكيف نحب من يكره الله ؟
ثم عقد فصلا بعنوان من غش العرب لم تنله شفاعته فقال:
"فصل من غش العرب لم تنله شفاعته (ص):
لقوله (ص): (من غش العرب لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودتي) أخرجه الترمذي، وفيه ضعف وغرابة"
والغريب أن الرجل يبنى أحكام بعناوين الفصول ومع هذا يهدمها بذكر ضعف الروايات أو وجود متهمين فيها
والرواية كأنها تبيح غش الناس ما عدا العرب وهو عنصرية مقيتة فالغش محرم على الجميع
ثم عقد الفصل التالى :
"فصل هلاك العرب من أشراط الساعة:
لقوله (ص): (من اقتراب الساعة هلاك العرب) أخرجه الترمذي في جامعة وقال: غريب"
كلام خاطىء فالله أهلك الكثير من العرب فى التاريخ كعاد وثمود وأهل مدين ومع هذا لم تقم الساعة كما أن النبى(ص) لا يعلم الغيب فكيف علم بذلك والله يقول على لسانه "ولا أعلم الغيب"
ومع أن العرب هنا سيهلكون جميها إلا أن الرواية التالية جعلت قليل منهم أحياء حيث عنون الفصل التالى بالعرب عند خروج الدجال قليلون فقال:
فصل العرب عند خروج الدجال قليلون
لقوله (ص): (ليفرن الناس من الدجال في الجبال) قالت أم شريك يا رسول الله فأين العرب؟ قال: (هم قليل) رواه مسلم، ولا ينافيه قول الترمذي إنه حسن صحيح غريب، لأن غرابته لعلها بالنسبة إلى خصوص طريق الترمذي"
وأما الباب الثانى فهو ما سماه أدعية لقبائل عربية فقال :
"الباب الثاني دعاؤه (ص)بدعاء عظيم عموما ثم خصوصا لقبائل شتى:
أخرج الطبراني أنه (ص) قال: (إني دعوت للعرب، فقلت: (اللهم من لقيك منهم معترفا بك، فاغفر له أيام حياته، وهي دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وإن لواء الحمد يوم القيامة بيدي، وإن أقرب الخلق من لوائي يومئذ العرب) أخرجه البزار والطبراني في الكبير، وسنده جيد وفي رواية: (اللهم من لقيك منهم مصدقا موقنا فاغفر له)
وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: (غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله)
وفي رواية صحيحة: (والله ما أنا قلته، ولكن الله قاله) وفي أخرى عند مسلم أنه (ص)قال في صلاة الفجر: (اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله، غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله)
وصح عنه (ص) أنه قال: (اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار) زاد الطبراني: (ولأبناء أبناء الأنصار، ولأزواجهم، ولذرياتهم) وفي أخرى صحيحة: (اللهم اغفر للأنصار، ولذرارى ذراريهم) وقال (ص): (لا تسبوا قريشا، فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما، اللهم كما أذقتهم عذابا، فأذقهم نوالا، دعا به ثلاث مرات) رواه جماعة
وزعم بعض الحنفية وضعه غلط، أو حسد، فإن أحمد وأضرابه حملوه على الشافعي لأنه لم ينتشر العلم لقرشي في البلاد، ومن الاتباع ما انتشر للشافعي كما هو مشاهد ومعلوم من زمنهم إلى الآن
وفي رواية عند البزار لكنه أشار إلى أن فيها غرابة:
(اللهم فقه قريشا في الدين، وأذقهم من يومى هذا إلى آخر الدهر نوالا، فقد أذقتهم أنكالا)
وقال (ص) في بكر بن وائل: (اللهم اجبر كسيرهم، وآو طريدهم، ولا ترد منهم عائلا) وفي رواية سائلا، رواه الطبراني، وأشار إلى غرابة فيه
وأخرج عبد الله بن أحمد عن عبد الله قال: شهدت رسول الله (ص) يدعو لهذا الحي من النخع، أو قال: يثني عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم
وقال (ص): (اللهم اغفر لعبد القيس ثلاثا) أخرجه الطبراني
وفي الصحيحين من حديث جرير البجلى في قصة ذي الخلصة قال: فدعا لنا ولأحمس وفي رواية: (فبرك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات)
ودخل عليه (ص) وفد عنزة، فقال: (بخ بخ بخ بخ نعم الحي عنزة، مبغى عليهم، منصورون، مرحبا بقوم شعيب، وأختان موسى) ثم لما أرادوا الإنصراف قال: (اللهم ارزق عنزة كفافا لا فوتا، ولا إسرافا) أخرجه الطبراني وصح خبر: (اللهم أهد دوسا وائت بهم) وخبر: (اللهم اهد ثقيفا)
الغريب هنا أنه عنون الباب بالدعاء للقبائل من العرب مع أنه ذكر أنه دعا على بعضهم فى القول" اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله"
ثم عقد بابا أخر بذكر فضائل القبائل العربية فقال:
"الباب الثالث فصل قبائل لها فضائل
الأولى قريش
في الصحيحين: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)
وخبر: (لا يزال هذا الأمر في قرش ما بقى منهم اثنان)
وخبر: (قريش والأنصار، وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع موالى ليس لهم مولى من دون الله ورسوله)
وفي البخارى خبر: (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين)
وفي مسلم خبر: (الناس تبع لقريش في الخير والشر)
وخبر: (لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم أثنا عشر رجلا كلهم من قريش)
وخبر: (لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش)
وخبر: (لا يزال هذا الدين منيعا إلى إثنى عشر خليفة كلهم من قريش)
وخبر: سمعت رسول الله (ص) يوم جمعة عشية رجم الأسلمى، فقال: (لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة) "
والخطأ العام فى الروايات السابقة تخصيص قريش بالحكم وهو الملك وهو الإمارة وهو ما يخالف أن الله جعل الأمر وهو الحكم فى كل المسلمين فقال "وأمرهم شورى بينهم "أى وحكمهم مشترك بينهم وقد خص الله المهاجرين والأنصار ومن أسلم وجاهد معهم قبل الفتح بتولى المناصب فقال "لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا "
ثم نقل الرجل آراء البعض فى ملك قريش فقال :
"قال الزين العراقي: وليس المراد بالإثنى عشر خليفة على الولاء، بل المراد من اجتمعت عليهم الكلمة من قريش، وكانوا أهل عدل، والظاهر أن آخرهم المهدى، فإنه بملك جميع الأرض، وبعده يقع الهرج، ويدلل لذلك خبر أبى داود (وكلهم تجتمع عليه الأمة)
إذ قرينته أن من لم تجتمع عليه ليس منهم كيزيد بن معاوية، بخلاف عمر ابن عبد العزيز، بل عد من الخلفاء الراشدين
وخبر أيضا: (لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش) فكبر الناس وضجوا، فلما رجع إلى منزله أتته قريش، فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: (ثم يكون الهرج)
فإذا تبين أن الخلفاء الإثنى عشر ليسوا على الولاء، وأن آخرهم المهدى، ففيه بشارة لهذا الأمة أن الدين في هذه الأزمان عزيز، قائم ولله الحمد في بلاد الإسلام العامرة، وقد كان شيخ شيوخنا الإمام العلامة القونوى يقول: إن مصر والشام مسجد الأرض، وقد كان آخر القرن السابع، ورأى ما حدث في تلك البلاد من التغير والمنكرات، وهي تدل أنهم ليسوا على الولاء، والخبر الصحيح: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت)
ومما يدل على تخلل أمراء الجور بين أمراء العدل الحديث الحسن: (لا يلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع، فكلما طلع من الجور شيء، ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره، ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل، فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله)
ولا ينافي ذلك الحسن أيضا: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يكون ملكا)
لأن المراد خلافة النبوة الأولى جمعا بين الحديثين على أن الأولى أصح، والمراد بخلافة النبوة الأولى، ومدة الخلفاء الأربعة، فإنها ثلاثون سنة لإنقضائها سنة أربعين من الهجرة، وقد عين بعض الأثنى عشر في حديث: (يكون بعدى أثنا عشر خليفة منهم أبو بكر الصديق، لا يلبث بعدى إلا قليلا، وصاحب رحا دارة العرب، يعيش حميدا، ويموت شهيدا)
قالوا: ومن هو؟ قال: (عمر بن الخطاب، ثم التفت إلى عثمان فقال: إن ألبسك الله قميصا، فأرادك الناس على خلعه فلا تخلعه) رواه الطبراني، وأشار إلى غرابة فيه، والذهبي وقال: العجب من يحيى بن معين مع جلالته ونقده كيف يروى مثل هذا الباطل، ويسكت عنه، واحتج بأن في أحد رواته صاحب مناكير وعجائب، ورد بأن كثيرين وثقوه"
وكعادة القوم حاول الرجل التوفيق بين الذى لا يمكن التوفيق بينه فحاول تطبيق الثلاثين سنة على التاريخ المزعوم وتلك الروايات التى تقول بوجود 12 خليفة صالح منهم فلم يقدر على التوفيق زد على هذا أن تلك الروايات تتعلق بالغيب الذى منعه الله حتى عن رسوبه(ص) فقال "ولا أعلم الغيب "وقال "لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"