كيف تنشأ الأسماء والأفعال
1 ) كيف تنشأ الأسماء
ــ نشأة الأسماء من طبيعة الأشياء
كثيرا ما تنشأ الأسماء من طبيعة الأشياء ، كحجمها ، أو لونها أو رطوبتها أو غير ذلك من طبيعة الشيء ، لنأخذ مثلا بطيخة ، لو تنقلنا عبر العالم لمعرفة ما أعطي لهذه البطيخة من أسماء ، لوجدنا كل ما نبحث عنه ، فقد يسميها البعض المكورة مثلا ، وقد يسميها الآخرون المستديرة ، وقد يسميها آخرون الصفراء ، ولنفرض أن هذه البطيخة إذا زرعت في بلد ما يخرج مذاقها مر جدا ، وإذا زرعت في بلد آخر يخرج مذاقها حلو جدا ، فقد يطلق عليها في البلد الأول إسم المرة ، وقد يطلق عليها في البلد الثاني إسم الحلوة .
ــ نشأة الأسماء من الأفعال
كثيرا ما تنشأ الأسماء من الأفعال خصوصا إذا كانت تستعمل لفعل معين دون فعل آخر ، فإذا أخذنا قطعة من الكتان وخصصناها ليصلي عليها شخص أو شخصين كالتي هي موجودة في بيوتنا جميعا ، وإذا تتبعنا الأسماء التي أعطيت لها في البلدان الإسلامية قد تجد أغلبها سمي بالفعل الذي يقام عليها ، فتجد إسمها مثلا [ سجادة ] أو [ صلاية ] أو أسماء من هذا القبيل ، ولنأخذ التيمم مثلا أي ذلك الحجر الذي نتيمم به ، فإسم التيمم مأخوذ من الفعل المذكور في قوله عز وجل ( ... فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ... ) فالفعل تيمموا هو الذي نشأ منه إسم التيمم المخصص للتيمم ، وكذلك إسم المسجد مأخوذ من فعل السجود وذلك لأن المساجد مخصصة لهذا الغرض .
ــ نشأة الأسماء من المناسبات
كثيرا ما يكون الإنسان بين يديه شيء لا يعرف إسمه ، فتحدث مناسبة ، أو يتفكرها ، أو يذكره ذلك الشيء بمناسبة ، فيطلق على ذلك الشيء إسما يحمل إسم تلك المناسبة ، ولنأخذ مثالا عن ذلك ، ولنفرض أن هناك شيء بين يدي إنسان لا يعرف إسمه وبينما هو يتأمله نزل المطر الذي انتظره طويلا ، فيتبادر إلى ذهنه أن يسمي ذلك الشيء بالمبشر أو الخير أو المفرح أو السرور أو البهجة أو الفرحة أو غير ذلك من الأسماء ، ولنأخذ مثالا من الأمثلة التي تحدث يوميا وهي أمثلة واقعية ، لنأخذ مدينة عدد نسمتها مليون نسمة ، وفي كل سنة يزداد 100 طفل مثلا ، فلو بحث في أسماء هؤلاء الأطفال لوجدت الكثير منهم سمي بالمناسبة ، فمن ولدت له بنت وفي ذلك اليوم وجد عملا في شركة طالما انتظر ذلك العمل فقد يسمي تلك البنت [ رحمة ] ومن ولد له مولود في يوم عيد قد يسميه العيد ، وقد يحدث العكس أحيانا إذا ولدت بنت عند أحد ووقعت كارثة كبيرة يوم مولدها ، فقد يسميها الكارثة ، وإنك لتجد أسماء يستحيي الإنسان لذكرها .
ــ نشأة الأسماء من الصفات
كثيرا ما تنشأ الأسماء من الصفات وخير دليل على ذلك أسماء الله الحسنى ، الرحمان هو الله ، الرحيم هو الله ، الغفور هو الله ، العزيز هو الله ، كل هذه الأسماء تعبر عن صفات الله ، وهذا تنبيه لمن قالوا باللاترادف فليعتبروا بهذه الأسماء .
2 ) كيف تنشأ الأفعال
كثيرا ما تنشأ الأفعال من الأسماء كالمكيف الهوائي لأنه يكيف الهواء ، والمكنسة لأنها يكنس بها ، والمنشفة لأنها تنشف الماء ، وهكذا ...
ملاحظات
ــ لنأخذ البطيخة ذات المذاق المر والتي سميت بالمرة في تلك البلاد ، ولنفرض أنه في زمن ما وجدوا طريقة لإصلاحها بالتلقيم مثلا فأصبحت البطيخة تخرج حلوة المذاق ، لكن إسمها كمصطلح سيبقى رغم تغير مذاقها فيبقى إسمها دائما هو [ المرة ] ومع التقدم في الزمان قد يأتي جيل لا يعرف لماذ تسمى بالمرة ، فلا يمكن أن يقول شخص لعدم معرفته نشأة الإسم أن المرة هي مفهوم وليس حقيقة .
ــ لا يمكن معرفة نشأة أسماء الأشياء إلا القليل منها ، فلا يمكن الجزم بنشأتها من إسم أو فعل ، أو أن إسمها جاء عن طريق مناسبة ، فلا يمكن معرفة ذلك إلا القليل منها .
ــ لا يمكن أن يستخرج فهم الأشياء إنطلاقا من اشتقاق أسمائها وجعل ذلك قاعدة عامة في الفهم إذ لا يصلح من ذلك إلا القليل ولا ينطبق على الجميع ، فكيف تشتق كلمة وقد تكون أصلا مستوردة ، وكيف تشتق كلمة وقد يكون منشؤها مناسبة فرح أو شيئا من هذا القبيل .
النتيجة :
بناء على هذه الملاحظات وما تقدم في الموضوع لا يمكن أن تبنى قاعدة لتفسير القرآن إنطلاقا من اشتقاق الأسماء والأفعال ، فإن صاحبها يضل لا محالة ، حيث لا يمكنه معرفة منشأ الأسماء والأفعال وتغيرات كل ذلك عبر الزمان ، والفهم الوحيد للقرآن يبنى على تعلم لغة قريش لغة القرآن وفهم المعنى الإجمالي من الكلام ومن ثم الغوص في التدبر الدقيق لما يريده الله وبذلك نهتدي إن شاء الله .
ــ إن موضوعي هذا لا يعني أنه تطرق لجميع نشأة الأسماء ، فقد توجد طرق أخرى تنشأ بها الأسماء والأفعال وقد تكون عديدة جدا ، وإنما ذكرت بعض هذه لإعطاء نظرة على نشأتها فقط ، حتى لا يوهم الناس بأنه يمكن وضع قاعدة عامة لفهم الكلام باللجوء إلى مكوناته الحرفية والقيام باشتقاق الكلمات ، إذ لا يمكن معرفة المنشأ لتعدد المناشئ وأسبابها ، فقد تكون الكلمة نشأت بمناسبة لا علاقة لها بالإشتقاق أصلا ، وقد تكون الكلمة مستوردة من لغة أخرى لا أصل لها بالإشتقاق ، فالإحتمالات واردة من كل جانب ، لذا يجب إبعاد أي قاعدة من هذا القبيل وغيرها من القواعد بإقحامها في التشريع ، ومن فعل ذلك فلا تنتظر منه إلا ضلالا ، فالكثير من الضلالات ظهرت واتضح زيغها وحتى كفرها ، وذلك لأنها صنعت قواعد لتفسير القرآن تقول عنها أنها أسست منهجية ، فلجأت إلى الكلمات لتستخرج منها الفهم عن طريق اشتقاقها رجما بالغيب ، وأخرى راحت تعتمد على عدد خزنة جهنم التسعة عشر لتجعل ذلك قاعدة لتشريح وتفسير القرآن ، فضلت كأختها ، ومنها من ظنت أنها وجدت شيئا اسمته اللاترادف فسجنت الكلمات لتصبح عاجزة عن تفسير بعضها البعض ، وما أصعب على المناهج من فهم للقرآن حولوه إلى الخيال ليقال وتغتر به الأنفس أنهم وجدوا له الحل ، والكثير الكثير من الضلالات التي نشأت من صنع قواعد عامة لتفسير كلام الله ، ولم يريدوا الدخول من الباب الواسع والبسيط والذي لا يتطلب أي قاعدة سوى أن تتعلم لغة قريش ، فقط لغة قريش ، كل ذلك ما هو مطلوب لتفهم لغة القرآن ومن ثم لتتدبره ، لا منهجية ولا قاعدة ولا فلسفة ولا أي شيء ، كل ما علينا لغة قريش ، فقريش لم يطلب منها تهيئة نفسها قبل مجيء التنزيل وصنع كل واحد منها منهجا لكي يتلقى القرآن ، فقد كانوا شعبا مثل الشعوب الأخرى يجري وراء بطنه ، لا يعرف اللغة من أين تدخل ولا من أين تخرج ، ولم يبذل جهدا في كسبها ، بل كانوا يأكلون وينامون ويرعون أنعامهم ويمزحون ويلعبون مثلهم مثل أي شعب آخر ، حتى فاجأهم القرآن وهم يلعبون ، فلم يهيئوا أنفسهم ولم ينتظروه ولم يصنعوا مناهج ليتلقوه ، ولم يكن مطلوب منهم ذلك ، ففهموه عاديا كأن شخصا عاديا يخاطبهم ، بل أكثر من ذلك فهم جادلوه ، علما أنهم لا يعرفون كتابة ولا قراءة ومع ذلك أنزله الله عليهم كبقية الشعوب قبلهم والتي أنزل عليها التنزيل وهي أكثر منهم جهلا بالقراءة والكتابة ، ولئن سألت الجدة وابنها ، هل لها منهجا لتفهم القرآن ، فلا تنتظر إلا سخرية منها ، وهي تهز رأسها في ابتسام ، وأي منهجية يا ابن علة الزمان
الكاتب : بنر صالح