نقد كتاب اتحاف شباب الإسلام بأحكام الغسل من الجنابة و الاحتلام
الكتاب تأليف عبد الله بن جار الله آل جار الله وهويبحث فى الاغتسال من الجنابة كما قال المؤلف فى مقدمته:
"أما بعد فإن الغسل من الجنابة أمانة في عنق المسلم يجب عليه إذا حصلت له جنابة بجماع أو احتلام أن يبادر إلى الاغتسال منها ليؤدي العبادات المشروعة وهو على طهارة فما دام جنبا لا يحل له أن يصلي أو يمس المصحف أو يجلس في المسجد ولا يقبل الله صلاة بغير طهور، والغسل من الجنابة كما أنه من شروط الصلاة فهو من خصال الإيمان وله فضل عظيم وثواب جسيم "
ثم ذكر الجار الله رواية وهى:
"روي عن النبي(ص) أنه قال: «ورأيت رجلا من أمتي ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا كلما دنا إلى حلقة طرد فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي» رواه الحافظ أبو موسى المديني والطبراني وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعظم شأنه ويقول شواهد الصحة عليه "
الرواية تخالف كتاب الله فى أن الجلوس فى الجنة لا يكون حلقات على الأرض وإنما على السرر كما قال تعالى "إخوانا على سرر متقابلين"
كما أن الرواية فيها تناقض فالحلقات هى للنبيين(ص) فلماذا دخل واحد من غيرهم وهو المغتسل من الجنابة تلك الحلق؟
ثم قال :
"وقال الشاعر:
غسل الجنابة في الرقاب أمانة فأداؤها من أكمل الإيمان
ولما كان كثير من الناس يجهلون موجبات الغسل من الجنابة وصفته وأحكامه رأيت من واجبي تأليف هذه الراسلة وسميتها تذكير شباب الإسلام بأحكام الغسل من الجنابة والاحتلام أسأل الله تعالى أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو قرأها أو سمعها فعمل بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم وهو حسبنا ونعم الوكيل "
ثم ذكر أحكام الغسل فقال:
"باب الغسل وحكم الجنب :
أي الأحكام المتعلقة بمن أصابته الجنابة قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}
1 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص)(الماء من الماء) رواه مسلم، وأصله في البخاري «قوله الماء من الماء» أي الاغتسال من الإنزال قال ابن رسلان: أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني، "
لو اعتمدنا التفسير السابق فالرواية هذه تعارض الرواية التالية لأت الماء من الماء يعنى وجوب الغسل من الإنزال وهو عكس الحديث التالى حيث الغسل واجب فى حالة عدم الإنزال وهو :
2 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله(ص) «إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها فقد وجب الغسل» متفق عليه، وزاد مسلم (وإن لم ينزل)
«قوله: إذا جلس بين شعبها الأربع» هو كناية عن الجماع واستدل الجمهور بالحديث على نسخ مفهوم حديث «الماء من الماء» وبما رواه أحمد وغيره عن أبي بن كعب قال «إن الفتيا التي كانوا يقولون إن الماء من الماء رخصة كان رسول الله رخص بها في أول الاسلام ثم أمر بالاغتسال بعد» صححه ابن خزيمة وأما الاحتلام فلا يجب الاغتسال منه إلا بالإنزال لما روى الخمسة إلا النسائي عن عائشة قالت «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما؟ فقال يغتسل وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل؟ فقال لا غسل عليه، فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك عليها الغسل؟ قال: نعم إنما النساء شقائق الرجال» وللحديث الآتي "
حاول الجار الله أن يوفق بين الروايتين ولكنه لم يفلح كما لم يفلح أحد ممن سبق وتلاه فى التوفيق بين الروايات لتعارضهما
كما نلاحظ أن الروايات تتحدث عن إنزال الرجل دون المرأة مع أن كلاهما ينزل وهو ما يناقصض ما أثبتته الرواية التالية:
"3 - وعن أنس قال: «قال رسول الله في المرأة: ترى في منامها ما يرى الرجل، قال تغتسل» متفق عليه زاد مسلم: «فقالت أم سلمة: وهل يكون هذا؟ قال نعم، فمن أين يكون الشبه»
الحديث دليل على أن المرأة ترى ما يراه الرجل في منامه، والمراد إذا رأت الماء أي المني بعد الاستيقاظ "
فهنا النساء ينزلن كما ينزل الرجال ومن ثم فالروايات متعارضة ثم ذكر الرواية التالية:
"4 - وعن عائشة قالت: «كان رسول الله يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت» رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة
الحديث دليل على مشروعية الغسل في هذه الأربع فأما الجنابة فالوجوب ظاهر، وأما غسل الجمعة ففي وجوبه خلاف، والجمهور على أنه سنة مؤكدة وأما الغسل من الحجامة فهو سنة يفعل تارة كما في هذا الحديث ويترك أخرى كما في حديث أنس، وأما الغسل من غسل الميت فهو سنة، ويجزئ عنه الوضوء والله أعلم"
قطعا هذه الرواية هى الأخرى ليست صحيحة فلابد أن يكون من ضمن أسباب الاغتسال العمل الذى يوسخ جلد الإنسان وشعره
ثم قال :
"5 - وعن أبي هريرة: «في قصة ثمامة بن أثال عند ما أسلم وأمره النبي أن يغتسل» رواه عبد الرازق، وأصله متفق عليه
الحديث دليل على مشروعية الغسل بعد الاسلام، وقوله وأمره النبي أن يغتسل يدل على وجوبه وعن قيس بن عاصم قال: «أتيت رسول الله أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر» أخرجه أبو داود وغيره"
قطعا الاغتسال يكون بالماء دون غيره لأن المطهر وليس بماء وسدر
6 - وعن أبي سعيد أن رسول الله قال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» أخرجه السبعة
الحديث دليل على وجوب غسل الجمعة وبه قال بعض العلماء وقال الجمهور هو سنة مؤكدة لحديث سمرة "
قطعا لا يوجد غسل اسمه يوم الجمعة وإنما الغسل يكون بسبب وهو الجنابة أو القذارة ويعارض وحوب غسل الجمعة أنه مستحب فى الرواية التالية:
"7 - وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله(ص) «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» رواه الخمسة وحسنه الترمذي
الحديث دليل على عدم وجوب الغسل يوم الجمعة، وهو قول الجمهور «قوله: فبها ونعمت» قال الأزهري: معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة، وقال الخطابي: ونعمت الخصلة، وقيل: ونعمت الرخصة وقيل: ونعمت الفريضة
وعن علي قال: «كان رسول الله يقرئنا القرآن ما لم يكن جنبا» رواه أحمد والأربعة، وهذا لفظ الترمذي، وحسنه وصححه ابن حبان
قوله وحسنه وصححه ابن حبان، أي هو وابن حبان قال الترمذي: حديث حسن صحيح والحديث يدل عل أن الجنب لا يقرأ القرآن "
ثم قال:
"9 - وعن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله (ص)إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا» رواه مسلم زاد الحاكم: «فإنه أنشط للعود» "
هنا المجامع عليه الوضوؤ قبل الجماع الثانى وهو يناقض الرواية التالية التى لا توجب وضوء على المجامع :
"10 - وللأربعة عن عائشة قالت: «كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء» وهو معلول
حديث أبي سعيد يدل على مشروعية الوضوء لمن أراد معاودة الجماع لأنه أنشط له، وقد ثبت أنه طاف على نسائه بغسل واحد وثبت أنه اغتسل بعد غشيانه كل واحدة منهن وروى الطحاوي من حديث عائشة قالت «كان النبي يجامع ثم يعود ولا يتوضأ فالكل جائز» (قوله في حديث عائشة: كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء) محمول على ماء الغسل لقوله «إذا توضأ أحدكم فليرقد» وقال في المنتقى وهذا يحمل على أنه كان يترك الوضوء أحيانا لبيان الجواز ويفعله غالبا لطلب الفضيلة انتهى قلت ولعل قولها «كان رسول الله ينام وهو جنب» تريد به نوم الاستراحة لا نوم عامة الليل قال ابن العربي في شرح الترمذي هذا الحديث رواه أبو إسحق مختصرا واقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه ونص الحديث الطويل ما رواه أبو غسان قال أتيت الأسود بن يزيد وكان لي أخا وصديقا فقلت يا أبا عمر حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين عن صلاة رسول الله فقال: قالت: «كان ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء فإذا كان عند النداء الأول وثب وربما قالت قام فأفاض عليه الماء وربما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد وإن نام جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة» "
ومما سبق نجد أن الروايات متناقضة فى الوضوء بعد قبل الجماع الثانى ثم ذكر روايات كيفية الاغتسال وهى مختلفة فيما يتم فعله فقال:
"11 - وعن عائشة قالت: «كان رسول الله(ص) إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، ثم حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه» متفق عليه، واللفظ لمسلم
12 - ولهما، من حديث ميمونة «ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بها الأرض» وفي رواية: «فمسحها بالتراب» وفي آخره: «ثم أتيته بالمنديل فرده» وفيه: «وجعل ينفض الماء بيده» هذان الحديثان مشتملان على بيان كيفية الغسل من ابتدائه إلى انتهائه وفي حديث ميمونة قبل ذكر المنديل «ثم تنحى فغسل رجليه» وفيه دليل على تداخل الطهارتين الوضوء والغسل، ونقل ابن بطال الإجماع على ذلك
13 - وعن أم سلمة قالت: «قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟» وفي رواية: «والحيضة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات» رواه مسلم (قولها: أشد شعر رأسي) لفظ مسلم «أشد ضفر رأسى» وكأن المصنف رواه بالمعنى والحديث دليل على أنه لا يجب نقض الشعر للاغتسال، وأنه لا يشترط وصول الماء إلى أصوله وعن أنس مرفوعا «إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمى وأشنان وإن اغتسلت من جنابة صبت الماء على رأسها صبا وعصرته» أخرجه الدار قطنى في الإفراد والطبراني والخطيب في التلخيص والضياء المقدسي"
ثم ذكر الرواية التالية:
"14 - وعن عائشة قالت: قال رسول الله (ص)«إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة
الحديث دليل على أنه لا يجوز للحائض والجنب دخول المسجد، وهو قول الجمهور "
قطعا دخول المساجد محرم على النساء نهائيا وليس الجنب أو الحائض منهن لقوله تعالى " "فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" وقال " لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين"
ثم ذكر الرواية التالية:
"15 - وعنها قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد، تختلف أيدينا فيه من الجنابة» متفق عليه، وزاد ابن حبان: «وتلتقى»
فيه دليل على جواز اغتسال الرجل والمرأة من ماء واحد"
من الجائز اغتسال الرجل والمرأة معا ولكن تلامسهما يحرم صلاتهما فلابد من الوضوء بعد الاغتسال لقوله تعالى " أو لامستم النساء"ثم قال
"16 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص)«إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر» رواه أبو داود والترمذي وضعفاه
17 - ولأحمد عن عائشة نحوه وفيه راو مجهول
الحديث دليل على أنه يجب غسل جميع البدن في الجنابة ولا يعفى عن شيء منه، وهو إجماع إلا المضمضة والاستنشاق ففيهما خلاف والراجح الوجوب "
قطعا كل الجسم لابد أن يمسه الماء فى الغسل
ثم بين وجوب الغسل من الجنابة وغيرها فقال:
"وجوب الغسل من الجنابة ونحوها:
يجب على المسلم إذا نودي للصلاة وعليه جنابة بوطء مباح كجماع زوجته أو أمته في الفرج أو محرم كوطئها في الدبر أو الزنى سواء نزل منه المني أو لا، وبخروج المني الدافق بالمباشرة المبادرة إلى الاغتسال من الجنابة والتوبة إلى الله سبحانه من الوطء الحرام والندم على فعل الكبيرة والعزم على أن لا يعود إليها وكذلك المرأة، وإن أحس بانتقاله ولم يخرج فلا غسل عليه فإذا نزل لزمه وإن خرج منه شيء بعد الاغتسال فليس عليه إلا الوضوء فقط وبالاحتلام ونحوه إذا خرج منه المني الدافق الغليظ وإن لم يخرج منه شيء أو خرج منه المذي المشبه للماء بلا شهوة لبرد أو مرض فليس عليه إلا الوضوء وغسل ما أصابه لنجاسته بخلاف المنى فلا؛ لطهارته، ويجب على المرأة إذا طهرت من الحيض أو النفاس الاغتسال بالماء والسدر أو الصابون وفرك رأسها بيدها مع صب الماء بلا نقض شعرها إذا وصل الماء إلى البشرة وإلا لزمها، ويستحب لها جعل طيب في قطن أو غيره في فرجها بعد الاغتسال لإزالة الرائحة، ويستحب الغسل للكافر إذا أسلم والمغمى عليه إذا أفاق "
قطعا الغسل الواجب هو بالماء وأما غيره فليس بواجب ثم وصف الجار الله أفعال الغسل فقال:
"وصفة الغسل أن ينوي بقلبه الطهارة من الجنابة ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثا خارج الإناء ثم يغسل فرجه وما لوثه ثم يتوضأ - وضوءه للصلاة ثم يشرع في الغسل فيحثي على رأسه ثلاث حثيات من الماء يروي بها أصول شعره ويخلله بأصابعه ثم يعم بدنه بالغسل بلا عدد مبتدئا بشقه الأيمن ثم الأيسر ويدلكه ويزيل ما عليه من وسخ وغيره وإن تلوثت رجلاه بالطين ونحوه انتقل من مكانه وغسلهما بعد فراغه من الاغتسال وإن نوى بغسله الطهارة من الجنابة مع المضمضة والاستنشاق بلا وضوء أو الصلاة أو الطواف أو مس المصحف أو اجتمعت جنابة وغسل جمعة فنوى أحدهما ارتفعت جنابته وصحت طهارته، وإن اغتسل لمجرد التبرد والتنظيف ناسيا لجنابته لم يرتفع حدثه ووجب عليه الاغتسال وإن شك في نيته أثناء الغسل أعاده وإن شك في وصول الماء إلى شيء من جسده لزمه غسله ويتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويكره الإسراف فيه كالوضوء ويحرم على الجنب العالم بحدثه الصلاة والطواف ومس المصحف وقراءة القرآن آية فصاعدا واللبث في المسجد حتى يغتسل، واغتساله عريانا بين الناس ويستحب غسل فرجه والوضوء للأكل والنوم ومعاودة الوطء والغسل أفضل "
ثم ذكر الجار الله موجبات الغسل فقال:
"ما يوجب الغسل:والموجب له في حق الرجل ثلاثة أشياء: الأول: إنزال المني، وهو الماء الدافق تشتد الشهوة عند خروجه، ويفتر البدن بعده وماء الرجل أبيض ثخين، وماء المرأة أصفر رقيق، قال النبي (ص)«إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر» رواه مسلم
فيجب الغسل بخروجه في النوم واليقظة، لأن أم سليم قالت يا رسول الله: إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله (ص)«نعم إذا رأت الماء» متفق عليه فإن خرج لمرض من غير شهوة لم يوجب، لأن النبي وصف المني الموجب بأنه غليظ أبيض، ولا يخرج في المرض إلا رقيقا فإن احتلم فلم ير بللا فلا غسل عليه، لحديث أم سليم وإن رأى منيا ولم يذكر احتلاما فعليه الغسل، لما روت عائشة قالت: سئل رسول الله (ص)عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلاما، فقال «يغتسل» وسئل عن الرجل يرى أنه قد احتلم، ولا يجد البلل، فقال: «لا غسل عليه» رواه أبو داود فإن وجد منيا في ثوب ينام فيه هو وغيره؛ فلا غسل عليه، لأن الأصل عدم وجوبه، فلا يجب بالشك وإن لم يكن ينام فيه غيره، وهو ممن يمكن أن يحتلم كابن اثنتي عشرة سنة فعليه الغسل، وإعادة الصلاة من أحدث نومة نامها، لأن عمر رأى في ثوبه منيا بعد أن صلى فاغتسل، وأعاد الصلاة
فصل والمذي: ماء رقيق يخرج بعد الشهوة
لا يحس بخروجه، فلا غسل فيه، ويجب منه الوضوء، لما روى سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذى شدة وعناء، فكنت أكثر منه الاغتسال، فذكرت ذلك للنبي (ص)وسألته عنه، فقال: «يجزئك من ذلك الوضوء» حديث صحيح، وهل يوجب غسل الذكر والأنثيين؟ على روايتين إحداهما: لا يوجب، لحديث سهل، والثانية يوجب لما روى علي قال: «كنت رجلا مذاء»، فاستحييت أن أسأل رسول الله لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد فسأله، فقالت: «يغسل ذكره وانثييه ويتوضأ» رواه أبو داود
فصل والودي: ماء أبيض يخرج عقب البول، فليس فيه إلا الوضوء لأن الشرع لم يرد فيه بزيادة عليه
والثاني (مما يوجب الغسل): التقاء الختانين، وهو تغيب الحشفة في الفرج، يوجب الغسل وإن عري عن الإنزال، لقول النبي (ص)«إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان وجب الغسل» رواه مسلم
وختان الرجل: الجلدة التي تبقى بعد الختان وختان المراة: جلدة كعرف الديك في أعلى الفرج يقطع منها في الختان، فإذا غابت الحشفة في الفرج تحاذى ختاناهما فيقال: التقيا وإن لم يتماسا
والثالث (مما يوجب الغسل): إسلام الكافر"
قطعا ما يوجب الغسل هو :
-فعل أى فعل من أفعال الجماع كالتقبيل والتحسيس والدعك والإنزال ولا يشترط افنزال لأن أى فعل يخرج من الجسم مواد توجب الغسل
- القذارة وهى وساخة الجسم بتجمع العرق والتراب أو التلوث بألوان أو مواد تصبغ الجلد أو لها رائحة نتنة وما شابه
- الاحتلام
ثم لخص الجار الله ما قاله فقال:
"خلاصة ما تقدم:
من موجبات الغسل
أولا: خروج المني يقظة أو مناما بجماع أو غيره:
والخارج من الإنسان ثلاثة أشياء غير البول والغائط والريح
1 - مني: وهو سائل أبيض غليظ للرجل، والمرأة أصفر رقيق، لقوله (ص)«ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق» رواه مسلم
ورائحته كرائحة طلع النخل، والعجين، إذا يبس تكون رائحته بياض البيض
يخرج عند اشتداد الشهوة، ويوجب غسلا بخروجه
2 - مذي: ماء رقيق أبيض لزج، ويشترك الرجل والمرأة فيه، يخرج عند المداعبة أو تذكر الجماع، وهو ناقض للوضوء فقط، ولا يوجب غسلا بخروجه
3 - ودي: يخرج بعد البول، وهو سائل غير لزج لكنه أبيض غليظ، يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدرة، ولا رائحة له، وحكمه حكم البول - أي نجس
- يشترط في خروج المني يقظة أن يكون بشهوة، أما خروجه مناما، فلا يشترط الإحساس باللذة، وعليه:
- إذا استيقظ ووجد أثر المني في ثيابه، وجب عليه الغسل بكل حال، سواء ذكر احتلاما أو لم يذكر، لقوله لأم سليم وقد سألته: «هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء» متفق عليه
- إذا خرج يقظة بدون لذة لا يوجب غسلا، إنما يوجب وضوءا، لأنه خارج من السبيلين
- إذا ذكر احتلاما لكن لم ير أثر المني على الثياب -أي لم ينزل- لا يجب عليه الغسل، لقوله «الماء من الماء» رواه مسلم
- إذا استيقظ ووجد أن الماء الخارج منه (مذي) وليس منيا لا يجب عليه الغسل، إنما يغسل الذكر والأنثيين، لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: «يغسل ذكره ويتوضأ»
- وقولنا: [بجماع أو غيره] أي متى ما خرج المني بشهوة سواء كان بجماع أو مداعبة وغير ذلك فإنه يوجب غسلا
ثانيا: من موجبات الغسل الجماع سواء أنزل أو لم ينزل:
لقوله (ص)«إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها، فقد وجب الغسل» متفق عليه، وزاد مسلم: «وإن لم ينزل»، وقوله (ص)«إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» "
وكل ما يخرج من القضيب او المهبل نتيجة الشهوة يوجب الغسل لا فرق بين مذى أو ودى أو منى
ثم كرر صقة الغسل فقال:
"صفة الغسل من الجنابة:
وهي على نوعين: كامل، ومجزئ، فالكامل يأتي فيه بتسعة أشياء: النية، وهي أن ينوي الغسل للجنابة، أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل، كقراءة القرآن، واللبث في المسجد، ثم يسمي، ثم يغسل يديه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما به من أذى، ويغسل فرجه وما يليه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات يروي بهن أصول شعره، ويخلله بيده، ثم يفيض الماء على سائر بدنه، ثم يدلك بدنه بيده، وإن توضأ إلا غسل رجليه، ثم غسل قدميه آخرا، فحسن قال أحمد: الغسل من الجنابة على حديث عائشة يعني قولها: كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل شعره بيده، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده وقالت ميمونة: وضع لرسول الله وضوء الجنابة، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا، ثم تمضمض، واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه، ثم غسل جسده، فأتيته بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيده متفق عليهما
النوع الثاني: الغسل المجزئ، وهو أن ينوي، ويعم شعره وبدنه بالغسل، والتسمية ههنا كالتسمية في الوضوء فيما ذكرنا، ويجب إيصال الماء إلى البشرة التي تحت الشعر وإن كان كثيفا، لحديث عائشة، ولا يجب نقضه إن كان مضفورا لما روت أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: «لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حيثات،ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين» رواه مسلم، ولا يجب ترتيب الغسل؛ لأن الله تعالى قال: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} ولم يقدم بعض البدن على بعض لكن يستحب البداءة بما ذكرناه، والبداءة بغسل الشق الأيمن؛ لأن النبي (ص)كان يحب التيامن في طهوره، ولا موالاة فيه؛ لأنه طهارة لا ترتيب فيها فلم يكن فيها موالاة كغسل النجاسة "
وكل ما قاله من الطرق والشروط ليس واجبا فالواجب شىء واحد فقط أن يمس الماء كل الجلد والشعر فى الجسم
ثم قال :
"فصل:
والأفضل تقديم الوضوء على الغسل، للخبر الوارد، فإن اقتصر على الغسل ونواهما أجزأه عنهما لقول الله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} ، ولم يأمر بالوضوء معه، ولأنهما عبادتان من جنس: صغرى، وكبرى، فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية، كالحج والعمرة، وعنه: لا يجزئه عن الحدث الأصغر حتى يتوضأ؛ لأنهما نوعان يجبان بسببين، فلم يدخل أحدهما في الآخر كالحدود، وإن نوى إحداهما دون الأخرى، فليس له غيرها؛ لأن النبي قال: «وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه "
وقطعا الوضوء مع الغسل إسراف لأن الغسل شامل للوضوء مغنى عنه ثم قال :
"فصل:
ويستحب للجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة، لما روى ابن عمر أن عمر قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: «نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد» متفق عليه، ويستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يعود للجماع، ويغسل فرجه "
وهذا الكلام سبق مناقشته لأن الروايات متعارضة متناقضة فى المسألة فلا وضوء على الجنب قبل نومه أو غير هذا