موضوع: قراءة فى كتاب إتحاف الطلاب بفضائل العلم والعلماء الخميس أكتوبر 14, 2021 6:08 am
قراءة فى كتاب إتحاف الطلاب بفضائل العلم والعلماء الكتاب إعداد أحمد عرفة وهو يدور حول فضائل العلم والعلماء وفى مقدمته قال: "وبعد:إن من أجل الطاعات والقربات التى يتقرب بها العبد لخالقه ومولاه جل وعلا طلب العلم الشرعي النافع حتى يعبد الله عز وجل على بصيرة ويبلغ دين الله تعالى للعباد على بصيرة فما أحوجنا فى هذه الأيام إلى أن نتعرف من جديد على فضل العلم والعلماء فكما قيل: العلم شرف ومن ذاق عرف ومن عرف اغترف"0 واستهل الكتاب بذكر الآيات المبينة لمكانة العلم والعلماء فى القرآن فقال: "أولا: مكانة العلم والعلماء فى القرآن الكريم: إن المتأمل والمتدبر فى القرآن الكريم يجد أن المولى سبحانه وتعالى قد أعطى العلم منزلة كبيرة ومكانة عالية ومن ذلك: 1 - من فضل العلم وشرفه أن الله عز وجل استشهد بأهل العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده سبحانه وتعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قآئما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) 0 قال الإمام القرطبي : في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء . وقال الإمام ابن القيم : استشهد سبحانه بأولى العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده فقال: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قآئما بالقسط) وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه: أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر. والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته. والثالث: اقترانه بشهادة ملائكته. والرابع: أن فى ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول ومن الأثر المعروف عن النبى (ص) (يحمل هذا العلم من خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) وقال الإمام بدر الدين بن جماعة : بدأ سبحانه بنفسه وثنى بملائكته وثلث بأهل العلم، وكفاهم ذلك شرفا وفضلا وجلالة ونبلا ." وأولو العلم هنا لا تعنى العلماء وهم أهل الذكر وإنما تعنى كل المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله ويعملون بها ثم قال: "2 - ومن فضل العلم وشرفه أنه سبحانه نفي التسوية بين أهله وبين غيرهم كما نفى التسوية بين أصحاب الجنة وأصحاب النار فقال سبحانه: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) قال الإمام البيضاوي عند تفسيره لهذه الآية: نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون" الآية ليست فى العلماء أهل الذكر وإنما فى المسلمين الذين يعلمون ويعملون بالعلم والكفار الذين لا يعلمون كما قال تعالى فيهم : " ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ثم قال: "3 - ومن فضل العلم وشرفه أنه سبحانه جعل أهل الجهل بمنزلة العميان الذين لا يبصرون فقال تعالى: (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب) 0 قال الأستاذ سيد قطب : فالعمى وحده هو الذى ينشئ الجهل بهذه الحقيقة الكبرى الواضحة التى لاتخفى إلا على أعمى، والناس إزاء هذه الحقيقة الكبيرة صنفان: مبصرون فهم يعلمون وعمى فهم لا يعلمون، والعمى عمى البصيرة ." نفس المر ألاية ليست فى العلماء أهل الذكر وإنما فى المسلمين جميعا فهم أصحاب علم قليل أو كثير وأما العمى فهم الكفار كما قال تعالى : "قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها" وقال : " وما أنت بهاد العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون" ثم قال : "4 - ومن فضل العلم وشرفه أن الله عز وجل أمر نبيه (ص) بطلب المزيد منه وهذا يعلم على فضل العلم وشرفه فقال تعالى: (وقل رب زدني علما) قال الإمام القرطبي : فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه (ص) أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم 0 5 – ومن فضل العلم وعلو منزلته: أن العلم حياة ونور والجهل موت وظلمة، والشر كله عدم الحياة والنور، والخير كله سببه النور والحياة؛ فإن النور يكشف عن حقائق الأشياء ويبين مراتبها قال تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) 0 كان ميتا بالجهل قلبه فأحياه بالعلم، وجعل له من الإيمان نورا يمشى به فى الناس 0 6 - ومن أهمية العلم ومنزلته عند المولى تبارك وتعالى دعوته للنفرة والتفقه فى الدين فقال تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) 0 قال الإمام ابن القيم : ندب تعالى المؤمنين إلى التفقه فى الدين وهو تعلمه وإنذار قومهم إذا رجعوا إليهم وهو التعليم ." الآية لا تدل على نفير كل المؤمنين وإنما طائفة من كل قوم ثم قال : كما قال تعالى : " وما كان المؤمنون لينفروا كافة"ثم قال : "7 - رفع الله تعالى درجات أولى العلم فقال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير) قال الإمام ابن حجر : قيل فى تفسيرها: يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم. ورفعة الدرجات تدل على الفضل، إذ المراد به كثرة الثواب، وبها ترتفع الدرجات، ورفعتها تشمل المعنوية فى الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت، والحسية فى الآخرة بعلو المنزلة فى الجنة . وقال عبد الله بن مسعود: ما خص الله تعالى العلماء فى شئ من القرآن ما خصهم فى هذه الآية، فضل الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم " نفس الأمر فى الآية فالمرفوعين هو المسلمين فوق الكفار كما قال تعالى "وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة" ثم قال: "8 - أن العلماء هم أهل الخشية من الله سبحانه وتعالى: قال سبحانه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) 0 قال ابن عباس : الذين يعلمون أن الله على كل شئ قدير 0 وقال الشيخ السعدى فى تفسيره: فكل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصى، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضل العلم، فإنه داع إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته 0 وقال ابن مسعود كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا " العلماء هنا لا تعنى أهل الذكر وإنما تعنى المسلمين جميعا فكلهم يخشى أى يخاف الله كمل قال تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ثم قال : "9 - ومن فضل العلم وشرفه أنه سبحانه وتعالى أمر بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم وجعل ذلك كالشهادة منهم فقال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) 0 وأهل الذكر هم أهل العلم بما أنزل على الأنبياء0 (10– ومن فضل العلم وشرفه أن أهل العلم هم المنتفعون بأمثال القرآن قال الله تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) 0 قال البغوي : أى: ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله . وقال ابن كثير : أى: وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون فى العلم المتعلمون عنه0وكان بعض السلف إذا مر بمثل لا يفهمه يبكى ويقول: لست من العالمين " العالمون هنا تعنى كل المسلمين وليس أهل الذكر فقط فالمسلمون كلهم عقلاء وتحدث عرفة عن المكانة فى الروايات فقال : "ثانيا: مكانة العلم والعلماء فى السنة النبوية: جاءت فى السنة النبوية المطهرة أحاديث كثيرة تبين لنا فضل العلم ومكانة العلماء وما أعده الله عز وجل لهم من جزاء فى الدنيا والآخرة ومن ذلك: 1 - بين النبى (ص) أن طلب العلم فريضة على كل مسلم فعن أنس بن مالك أن النبى (ص) قال: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) . قال الإمام المناوى : وهو العلم الذي لا يعذر المكلف في الجهل به 0 وقال الإمام البيهقي في المدخل: أراد - والله تعالى أعلم - العلم الذي لا يسع العاقل البالغ جهله، أو علم ما يطرأ له خاصة فيسأل عنه حتى يعلمه، أو أراد أنه فريضة على كل مسلم حتى يقوم به من فيه كفاية. وقال الإمام البيضاوي : المراد من العلم ما لا مندوحة للعبد عن تعلمه، كمعرفة الصانع والعلم بواحدنيته، ونبوة رسوله (ص)، وكيفية الصلاة، فإن تعلمها فرض عين على كل مسلم أي مكلف ليخرج غير المكلف من الصبي والمجنون، وموضوعه الشخص فيشمل الذكر والأنثى 0 2 - ومن فضل العلم وشرفه أن طلب العلم طريق إلى الجنة: عن أبى هريرة أن النبى (ص) قال: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة) . قوله (ص): (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة): قال الإمام القرطبى : أى: مشى فى تحصيل علم شرعى قاصدا به وجه الله تعالى جازاه الله عليه بأن يوصله إلى الجنة مسلما مكرما0 وقال الإمام النووي : وفيه فضل المشى فى طلب العلم، ويلزم من ذلك الاشتغال بالعلم الشرعى بشرط أن يقصد به وجه الله تعالى . وقال الإمام ابن حجر : فيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه، لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة . 3 – ومن فضل العلم وشرفه رضا الملائكة بطالب العلم ووضع أجنحتها له عن أبى الدرداء قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (من سلك طريقا يبتغى منه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم) . قال الإمام ابن حجر : قوله طريقا نكرها ونكر علما: ليتناول أنواع الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية وليندرج فيه القليل والكثير قوله سهل الله له طريقا أي في الآخرة أو في الدنيا بأن يوفقه للأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة وفيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة فائدة: قال الإمام القرافى فى قوله (ص): (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع): قيل: تكف عن الطيران فتجلس إليه لتسمع منه. وقيل: تكف عن الطيران توقيرا له. وقيل: تكف عن الطيران؛ لتبسط أجنحتها له بالدعاء. ولو لم تعلم الملائكة أن منزلته عند الله تستحق ذلك لما فعلته فينبغى لكل أحد من الملوك فمن دونهم أن يتواضعوا لطلبة العلم؛ اتباعا لملائكة الله وخاصة ملكه " الرواية غير صحيحة لمناقضتها كتاب الله فى كون الملائكة فى السماء وطلاب العلم فى الأرض كما قال تعالى: " وكم من ملك فى السموات" وقال: " قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا" ثم قال : "4 – ومن فضل العلم وشرفه أن الفقه فى الدين سبب من أسباب الحصول على الخير: عن معاوية أن النبى (ص) قال: (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين) . قال الإمام ابن القيم : وهذا يدل على أن من لم يفقهه فى دينه لم يرد به خيرا كما أن من أراد به خيرا فقهه فى دينه، ومن فقهه فى دينه فقد أراد به خيرا إذا أريد بالفقه العلم المستلزم للعمل. وأما إن أريد به مجرد العلم فلا يدل على أن من فقه فى الدين فقد أريد به خيرا فإن الفقه حينئذ يكون شرطا لإرادة الخير وعلى الأول يكون موجبا والله أعلم . وقال ابن بطال : فيه دليل على فضل العلماء على سائر الناس، وفيه فضل الفقه فى الدين على سائر العلوم، وإنما يثبت فضله لأنه يقود إلى خشية الله والتزام طاعته وتجنب معاصيه . 5 - ومن فضل العلم وشرفه أن العلم ميراث الأنبياء: عن أبى الدرداء قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) . قال الإمام ابن القيم : هذا من أعظم المناقب لأهل العلم فإن الأنبياء خير خلق الله فورثتهم خير الخلق بعدهم، ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم فى تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء كانوا أحق الناس بميراثهم . 6 - من فضل العلماء وشرفهم وعلو منزلتهم أن النبى (ص) بين أنهم ورثة الأنبياء: عن أبى أمامة الباهلى قال: ذكر لرسول الله (ص) رجلان أحدهما عالم والآخر عابد فقال رسول الله (ص)فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) ثم قال رسول الله (ص): (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت فى بحره ليصلون على معلمي الناس الخير) . وفى بيان سبب تفضيل العالم على العابد يقول الإمام ابن القيم : أن الشيطان يضع البدعة فيبصرها العالم وينهى عنها والعابد مقبل على عبادة ربه لا يتوجه لها ولا يعرفها وهذا معناه صحيح فإن العالم يفسد على الشيطان ما يسعى فيه ويهدم ما يبنيه فكل ما أراد إحياء بدعة وإماتة سنة حال العالم بينه وبين ذلك فلا شيء اشد عليه من بقاء العالم بين ظهراني الأمة ولا شيء أحب إليه من زواله من بين أظهرهم ليتمكن من إفساد الدين وإغواء الأمة وأما العابد فغايته أن يجاهده ليسلم منه في خاصة نفسه وهيهات له 0 وقال الإمام ابن القيم : وقوله: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض يصلون على معلم الناس الخير): لما كان تعليمه للناس الخير سببا لنجاتهم وسعادتهم وزكاة نفوسهم جازاه الله من جنس عمله بأن جعل عليه من صلاته وصلاة ملائكته وأهل الأرض ما يكون سببا لنجاته وسعادته وفلاحه وأيضا فإن معلم الناس الخير لما كان مظهرا لدين الرب وأحكامه ومعرفا لهم بأسمائه وصفاته جعل الله من صلاته وصلاة أهل سمواته وأرضه عليه ما يكون تنويها به وتشريفا له وإظهارا للثناء عليه بين أهل السماء والأرض 0 وقال الإمام بدر الدين بن جماعة : واعلم أنه لا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وغيرهم بالاستغفار والدعاء له وتضع له أجنحتها وإنه لينافس فى دعاء الرجل الصالح أو من يظن صلاحه فكيف بدعاء الملائكة وقد اختلف فى معنى وضع أجنحتها فقيل التواضع له وقيل النزول عنده والحضور معه وقيل التوقير والتعظيم له وقيل معناه تحمله عليها فتعينه على بلوغ مقاصده. وأما إلهام الحيوانات بالاستغفار لهم فقيل؛ لأنها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم الذين يبينون ما يحل منها وما يحرم ويوصون بالإحسان إليها ونفى الضرر عنها . وقال الإمام ابن رجب : وأما قوله (ص): (سهل الله له به طريقا إلى الجنة): فإنه يحتمل أمورا: منها: أن يسهل الله عز وجل لطالب العلم العلم الذى طلبه وسلك طريقه وييسره عليه؛ فإن العلم طريق موصل إلى الجنة وهذا كقوله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} قال طائفة من السلف فى هذه الآية: هل من طالب علم فيعان عليه. ومنها: أن ييسر الله لطالب العلم العمل بمقتضى ذلك العلم إذا قصد بتعلمه وجه الله، فيجعله الله سببا لهدايته والانتفاع به والعمل به، وذلك من طرق الجنة الموصلة إليها. ومنها: أن الله تعالى ييسر لطالب العلم الذى يطلبه للعمل به علوما أخر ينتفع بها، فيكون طريقا موصلا إلى الجنة، وهذا كما قيل: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم ومنها: أن الله تعالى قد ييسر لطالب العلم الانتفاع به فى الآخرة، وسلوك الطريق الحسنى المفضى إلى الجنة وهو الصراط وما بعده، وما قبله من الأهوال العظيمة والعقبات الشديدة الشاقة ." الرواية خاطئة لا يمكن لأن يتحدث بها النبى(ص) للتالى: الخطأ الأول أن العالم غير العابد وهو ما يخالف أن المطلوب هو العبادة والعبادة لا يمكن أن تكون بغير علم كما قال تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" الخطأ الثانى الصلاة على معلم الناس الخير فقط والملائكة تستغفر لكل الذين آمنوا كما قال تعالى : "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا"ثم قال : "7 - ومن فضل العلماء وشرفهم أن النبي (ص) دعا لهم بالنضارة: عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله (ص)يقول: " نضر الله امرأ سمع منا حديثا، فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " . قال الإمام المنذري : معناه الدعاء له بالنضارة وهى النعمة والبهجة والحسن، فيكون تقديره: جمله الله وزينه، وقيل غير ذلك . ثالثا: مكانة العلم عند السلف الصالح رضوان الله عليهم: جاءت عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم آثار كثيرة تبين لنا فضل العلم وشرفه وعلو منزلته فى الدنيا والآخرة ومنها: قال معاذ بن جبل : (تعلموا العلم فإن تعلمه لله ـ أي مخلصا به ـ خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة ـ أثمن هدية ـ وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدليل على الدين، والنصير في السراء والضراء، والوزير عند الإخلاء, والقريب عند القرباء، هو منار سبيل الجنة، يرفع الله به أقواما يجعلهم في الخير قادة وسادة، يقتدى بهم، يدل على الخير، وتقتفى به آثاره، يجعلك مع الملائكة والمقربين، يسبح لك كل رطب ويابس، تستغفر لك حتى الحيتان في البحر، وهوام السباع في البر، به يطاع الله عز وجل ـ وبه يعبد الله عز وجل، وبه يوحد الله عز وجل، وبه يمجد الله عز وجل، وبه يتورع الإنسان ـ يكون ورعا وبه توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام. هو إمام العمل يلهمه السعداء ويحرم منه الأشقياء) 0" الرواية عن معاذ به كفر واضح وهو تسبيح الرطب واليابس لطالب العلم ومعاذ الله أن يكون التسبيح لغير الله ثم قال : "وقال لقمان لابنه: «يا بني لا تعلم العلم لتباهي به العلماء أو لتماري به السفهاء، أو ترائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهدا فيه ورغبة في الجهالة، يا بني، اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم، فإنك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلموك، ولعل الله أن يطلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيا أو عيا ، ولعل الله يطلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم» 0 وقال عمر بن الخطاب : «تعلموا العلم، وعلموه الناس وتعلموا له الوقار والسكينة وتواضعوا لمن تعلمتم منه ولمن علمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم») 0 وقال علي بن أبي طالب لرجل من أصحابه: يا كميل: «العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق» 0 وقال- «لا يؤخذ على الجاهل عهد بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهد ببذل العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل به» 0 وقال أيضا- «العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم من الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه») " هذا القول يخالف كتاب الله فى كون المجاهد هو ألأفضل ولا يوجد مجاهد جاهل فكلهم علماء سواء كان علمهم قليل أو كثير وفى هذا قال تعالى : "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة" ثم قال: "وقال عبد الله بن مسعود «أغد عالما أو متعلما، ولا تغد بين ذلك» 0 وقال على بن أبى طالب كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه من هو فيه. وعن ابن عمر : مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة. وعن سفيان الثوري والشافعي : ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم. وعن الزهري : ما عبد الله بمثل الفقه. وعن أبى ذر وأبى هريرة قالا: باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا، وباب من العلم نعلمه عمل به أو لم يعمل أحب إلينا من مائة ركعة تطوعا . وقال ابن مسعود : عليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه موت رواته فو الذي نفسي بيده ليودن رجال قتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء لما يرون من كرامتهم فإن أحدا لم يولد عالما وإنما العلم بالتعلم 0" وتحدث عرفة عن رابعا دون أن يقول ثالثا فقال: "رابعا: من أقوال علماء الإسلام فى فضل العلم وأهله: قال الإمام ابن الجوزي : من أحب أن يكون للأنبياء وارثا وفي مزارعهم حارثا فليتعلم العلم النافع وهو علم الدين ففي الحديث: (العلماء ورثة الأنبياء) وليحضر مجالس العلماء فإنها رياض الجنة ومن أحب أن يعلم ما نصيبه من عناية الله فلينظر ما نصيبه من الفقه في دين الله ففي الحديث: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)، ومن سأل عن طريق تبلغه الجنة فليمش إلى مجلس العلم ففي الحديث من سلك طريقا يلتمس فيها علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ومن أحب ألا ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم بالتدوين والتعليم ففي الحديث: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له 0 وقال أبو هلال العسكري : ولفضل العلم ذلت في التماسه الأعزاء، وتواضع الكبراء، وخضع لأهله ذوو الأحلام الراجحة، والنفوس الأبية، والعقول السليمة، واحتملوا فيه الأذى، وصبروا على المكروه، ومن طلب النفيس خاطر بالنفيس، وصبر على الخسيس . وقال الجاحظ : العلم عزيز الجانب، لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وأنت إذا أعطيته كلك كنت من إعطائه إياك البعض على خطر. قال أبو هلال العسكرى معلقا على كلام الجاحظ: وقد صدق، فكم من راغب مجتهد في طلبه لا يحظى منه بطائل على طول تعبه ومواصلة دأبه ونصبه، وذلك إذا نقص ذكاؤه وكل ذهنه ونبتت قريحته، والفهم إنما يكون مع اعتدال آلته، فإذا عدم الاعتدال لم يكن قبول، كالطينة إذا كانت يابسة أو منحلة لم تقبل الختم، وإنما تقبله في حال اعتدالها، وإذا أكدى الطالب مع الاجتهاد، فكيف يكون مع الهوينا والفتور، فإذا كنت أيها الأخ ترغب في سمو القدر ونباهة الذكر وارتفاع المنزلة بين الخلق، وتلتمس عزا لا تثلمه الليالي والأيام ولا تتحينه الدهور والأعوام، وهيبة بغير سلطان، وغنى بلا مال، ومنعة بغير سلاح، وعلاء من غير عشيرة، وأعوانا بغير أجر، وجندا بلا ديوان وفرض، فعليك بالعلم، فاطلبه في مظانه، تأتك المنافع عفوا، وتلق ما يعتمد منها صفوا، واجتهد في تحصيله ليالي قلائل، ثم تذوق حلاوة الكرامة مدة عمرك، وتمتع بلذة الشرف فيه بقية أيامك، واستبق لنفسك الذكر به بعد وفاتك، ولأمر ما اجتهد فيه طائفة العقلاء، وتنافس عليه الحكماء، وتحاسد فيه الفضلاء، ولا يصلح الحسد والملق في شيء غيره 0 قال الشيخ أبو هلال العسكري : فإذا كان العلم مؤنسا في الوحدة، ووطنا في الغربة، وشرفا للوضيع، وقوة للضعيف، ويسارا للمقتر، ونباهة للمغمور حتى يلحقه بالمشهور المذكور، كان من حقه أن يؤثر على أنفس الأعلاق، ويقدم على أكرم العقد، ومن حق من يعرفه حق معرفته أن يجتهد في التماسه ليفوز بفضيلته. فإن من كانت هذه خصاله، كان التقصير في طلبه قصورا، والتفريط في تحصيله لا يكون إلا بعدم التوفيق، ومن أقصر عنه أو قصر دونه، فليأذن بخسران الصفقة وليقر بقصور الهمة، وليعترف بنقصان المعرفة، وليعلم أنه غبن الحظ الأوفر،وخدع عن النصيب الأجزل، وباع الأرفع بالأدون، ورضي بالأخس عوضا عن الأنفس، وذلك هو الضلال البعيد . وقال الإمام ابن حزم : لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويجلونك، وأن العلماء يحبونك ويكرمونك لكان ذلك سببا إلى وجوب طلبه فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة، ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء ويغبط نظراءه من الجهال لكان ذلك سببا إلى وجوب الفرار عنه فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس لكان ذلك أعظم داع إليه فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره ومن أقلها ما ذكرنا مما يحصل عليه طالب العلم وفي مثله أتعب ضعفاء الملوك أنفسهم فتشاغلوا عما ذكرنا بالشطرنج والنرد والخمر والأغاني وركض الدواب في طلب الصيد وسائر الفضول التي تعود بالمضرة في الدنيا والآخرة وأما فائدة فلا فائدة لو تدبر العالم في مرور ساعاته ماذا كفاه العلم من الذل بتسلط الجهال ومن الهم بمغيب الحقائق عنه ومن الغبطة بما قد بان له وجهه من الأمور الخفية عن غيره لزاد حمدا لله عز وجل وغبطة بما لديه من العلم ورغبة في المزيد منه من شغل نفسه بأدنى العلوم وترك أعلاها وهو قادر عليه كان كزارع الذرة في الأرض التي يجود فيها البر وكغارس الشعراء حيث يزكو النخل والزيتون نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد لهم كإطعامك العسل والحلواء من به احتراق وحمى أو كتشميمك المسك والعنبر لمن به صداع من احتدام الصفراء الباخل بالعلم ألأم من الباخل بالمال لأن الباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده والباخل بالعلم بخل بما لا يفنى على النفقة ولا يفارقه مع البذل من مال بطبعه إلى علم ما وإن كان أدنى من غيره فلا يشغلها بسواه فيكون كغارس النارجيلة بالأندلس وكغارس الزيتون بالهند وكل ذلك لا ينجب أجل العلوم ما قربك من خالقك تعالى وما أعانك على الوصول إلى رضاه 0 وقال أبو هلال العسكرى : ولعمري أن شيئا ينزل المملوك منزلة الملوك، ويحل التابع محل المتبوع، ويحكم به السوقة على الملك العظيم، لحقيق أن ينافس فيه، ويحسد صاحبه عليه، ويجتهد في طلبه أشد الاجتهاد، وأمرا يخدم فيه عبد الله بن عمر مجاهدا، ومجاهد هو ابن جبر، أحد مماليك مكة، وعبد الله عبد الله في فضله وزهده وورعه وشهرة اسمه أبوه في شرفه ومكانه من الصحية، ثم من رتبة الخلافة، وملكه الأرض شرفا وغربا، وطاعة أهل الإسلام والكفر له طوعا وكرها، لحري أن يرغب فيه العاقل ويحافظ عليه اللبيب وقال ابن الإمام الجوزي : من أراد أن يعرف رتبة العلماء على الزهاد فلينظر في رتبة جبريل وميكائيل ومن خص من الملائكة بولاية تتعلق بالخلق، وباقي الملائكة قيام للتعبد في مراتب الرهبان في الصوامع، وقد حظي أولئك بالتقريب على مقادير علمهم بالله تعالى. فإذا مر أحدهم بالوحي انزعج أهل السماء حتى يخبرهم بالخبر، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم. قالوا الحق. كما إذا انزعج الزاهد من حديث يسمعه سأل العلماء عن صحته ومعناه. فسبحان من خص فريقا بخصائص شرفوا بها على جنسهم. ولا خصيصة أشرف من العلم. بزيادته صار آدم مسجودا له وبنقصانه صارت الملائكة ساجدة. فأقرب الخلق من الله العلماء، وليس العلم بمجرد صورته هو النافع بل معناه، وإنما ينال معناه من تعلمه للعمل به. فكلما دله على فضل اجتهد في نيله وكلما نهاه عن نقص بالغ في تجنبه. فحينئذ يكشف العلم له سره، ويسهل عليه طريقه، فيصير كمجتذب يحث الجاذب فإذا حركه عجل في سيره. والذي لا يعمل بالعلم لا يطلعه العلم على غوره ولا يكشف له عن سره، فيكون كمجذوب لجاذب جاذبه، فافهم هذا المثل وحسن قصدك وإلا فلا تتعب " وهذه النقول فى كتاب الله عنها غنية فمهما قال القوم سيخطئون فى البعض وأكا كتاب الله فهو الحكم الذى لا يخطىء أبدا