الشهر ليس الهلال ، وليس القمر ، إنما هو عدة
لكي تفهم رمضان يجب أن تفهم أولا ما معنى كلمة شهر في القرآن .
إن كلمة شهر في القرآن هي عدة لا علاقة لها بالقياس القمري ، ولا بالقياس الشمسي ، ولا بأي قياس آخر .
1 ) التي توفى زوجها
يقول عز وجل في التي توفى زوجها ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) فالأربعة أشهر وعشرا التي ذكرها الله في هذه الآية تنطلق من اليوم الذي توفى فيه الزوج ، فالتي يتوفى زوجها تبدأ في عدتها منذ وفاته ، ولا تنتظر طلوع القمر ولا غروبه ولا تنتظر أي قياس .
2 ) كفارة الظهار
يقول سبحانه وتعالى في الظهار ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ) فالشهرين المذكورين يمكن أنطلاقهما من أي يوم كان علما أنهما صياما ، فالصيام هذا لا يرتكز لا على قمر ولا على شمس ، إنما يرتكز على عدة معينة يجب أداؤها .
3 ) كفارة القتل الخطأ
مثال آخر عن كفارة القتل الخطأ يقول الله فيه ( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ) وهنا أيضا صيام شهرين لا علاقة لها بالقمر ولا بالشمس بل يبدأ الصيام من أي يوم كان ، فهو مقيد بعدة فقط .
4 ) المطلقة التي لا تحيض
مثال آخر في المطلقة التي توقف عنها الحيض والتي لا تحيض يقول الله في ذلك ( واللئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللئي لم يحضن ) وهنا أيضا يبين الله بأن الأشهر المذكورة إنما هي عدة لا علاقة لها بالقمر ولا بالشمس ، ولا تعني هذه الأشهر بداية ونهاية القمر بل هي كلها عدة زمنية ، وهكذا كلما ذكر الله كلمة شهر في القرآن إلا وتجدها عدة زمنية لا علاقة لها بالقمر ولا بالشمس ولا بأي قياس ، وهذا في القرآن كله .
ــ تحديد عدة الشهر
بين الله عدة الشهر بأن جعل السنة تتكون من إثنى عشر شهر فقال ( إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض ) فلم يقل هذه شهور قمرية ولا شمسية ولا أبراج ، إنما تقسم السنة إلى 12 جزء وكل جزء منها يسمى شهر وبالتالي إذا ما قسمنا 365 يوما وربع يوم على 12 سيكون الشهر يساوي 30 يوما وجزء من اليوم وهذه هي عدة الشهر بالضبط ،
ــ الشهر في التشريع 30 يوما عدة ثابتة
إن الشهر في التشريع له عدة ثابتة لا زيادة ولا نقصان فيها 30 يوما ، يقول الله عز وجل في كفارة الظهار ( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) هذه الآية تبين بوضوح عدة الشهر ، فكفارة الظهار هي تحرير رقبة ، فمن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين ، فمن لم يستطع الصيام يكفر عن الشهرين بإطعام ستين مسكينا ، وهذا العدد للمساكين لم يذكره الله عبثا ، فقد ذكر العدد 60 ولم يذكر 5 أو 20 أو 40 بل ذكر 60 وهذا يعني أن كل يوم من الصيام يقابل مسكينا في الإطعام ، وبما أن عدد المساكين 60 فإنه يقابل شهرين ، أي أن الشهر يقابله 30 مسكينا وبالتالي فالشهر عدته 30 يوما لا زيادة ولا نقصان فيها ، فالشهر في التشريع عدته ثابتة لا يخضع لأي قياس لا للقمري ولا للشمسي ، فالقمري يتراوح بين 29 و30 والشمسي بين 30 و31 ، بينما في التشريع عدة الشهر 30 يوما ثابتة لا أقل ولا أكثر .
فلو إبتدأ هذا الرجل صيامه لكفارة الظهار متزامنا مع بداية الدورة القمرية لا نتهت دورتين قمريتين في 59 يوم ولكن صيامه لم ينته بعد ، ولا زال أمامه يوما لكي ينهي عدته ، وإلا فعدته غير كاملة وكفارته غير تامة فلو تعمد وأطعم 59 مسكينا مقابل صيامه هل كفارته صحيحة ؟ بالطبع ليست صحيحة ، فنفس الشيء بالنسبة للصيام لمن تعمد صيام 59 يوما أو صيام 29 يوما مقابل شهر الصيام الذي شرعه الله لعباده .
وكذلك الشأن بالنسبة للتي يتوفى زوجها ، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام أي أربع مرات 30 يوما وعشرة أيام أي لو مات زوجها في يوم من أيام الشهر القمري لابتدأت عدتها من ذلك اليوم 30 يوما ثم 30 يوما ثم 30 يوما ثم 30 يوما ثم 10 أيام ، ولو تصادف موت زوجها مع بداية الدورة القمرية ثم انقضت أربع أشهر قمرية أي 30 يوما ثم 29يوما ثم 30 يوما ثم 29 يوما ثم أضافت عشرة أيام لكانت عدتها ناقصة ما لم تضف يومين آخرين لتتم العدة وإلا فعدتها ناقصة وكأنها اعتدت بأربعة أشهر وثماني أيام وهذه عدة ناقصة ، فعندما نتكلم عن الشهور في التشريع فإننا نتكلم عن العدة التي تحدد لنا الأيام بالضبط ولا نتكلم عن الوسيلة التي يقاس بها الشهور ، ولهذا لما يتكلم الله عن الشهور في القرآن تجد الكلام يدور حول العدة ولا يدور حول وسيلة القياس فيجب أن ننتبه جيدا لهذه النقطة ونفرق بين العدة ووسيلة القياس فالعدة أيامها مضبوطة بينة ومحدودة أما وسائل القياس فهي تخضع للمسات البشر يغيرونها متى وكيف ما شاؤوا .
ــ فرض الله صيام شهر كامل
إن الله أمرنا بصيام عدة معينة قدرها شهر ، وهو ما يرشدنا به دائما في مجال الصيام ، وصيام الكفارات يعطيك لمحة عن هذا التوجه ، أي أن الله دائما يضرب عدة في الصيام بعيدة كل البعد عن وسائل القياس ، ففي كفارة اليمين أرشدنا بعدة مقدرة بعشرة أيام ثابتة ومحددة ، وفي كفارة الظهار أرشدنا بعدة ثابتة ومحددة مقدرة بشهرين ، ونفس الشيء بالنسبة للقتل الخطأ ، ولما فرض علينا الصيام فرضه علينا بعدة ثابتة محددة ومقدرة بشهر ، فكما كان يتكلم عن الكفارات ويقول شهرين تكلم عن الصيام المفروض وقال شهر ، وهذه العدة المفروضة يجب أن تتم ولو في أيام أخر ، وبين بأنها عدة يجب إتمامها مثلها مثل عدة المطلقة ، ومثلها مثل عدة المتوفى عنها زوجها ، فهذه كلها عدات يجب دائما إتمامها ، وإليك ما قاله عن الصيام
( ... يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ... ) أنظر إلى قوله ( ولتكملوا العدة ) لترى أن الصيام المفروض هو عدة كعدة الطلاق والعدات الأخرى ، وبين بأن هذه العدة هي شهر يجب إتمامه ولو متقطعا على المريض والمسافر .
ــ تعيين وقت الصيام المفروض
عين الله عدة الصيام بأن تكون في رمضان وكما بينت في مواضيع أخرى فإن رمضان يعني الليالي الطوال أو الليالي الباردة ، وزاد دقة في التعيين حين قال عز وجل ( ... الذي أنزل فيه القرآن ..) أي الوقت الذي ولد فيه القرآن ، وهذه تقطع كل أدبار المتشككين بأن عدة الصيام تكون في فصل معين دون سائر الفصول ، إذ ولادة القرآن لا بد وأن تكون في فصل واحد وليس في جميع الفصول ، فالناس يقولون أنهم صنعوا التاريخ
بعد وفاة النبي بفترة طويلة حسب زعمهم ويقولون أنهم بدأوا التأريخ بالهجرة ، فلو كانت هذه شهادتكم صحيحة فلماذا فعلتم ذلك بعد وفاة النبي ؟ ولماذا لم تفعلوا ذلك على قيد حياته ؟ ولو كانت شهادتكم صحيحة فلماذا اخترتم الهجرة بدل ولادة القرآن وأيهما أعظم عند الله ؟ وهل كان قبل تأريخكم تاريخ أيام نزول
القرآن ؟ فهل كان للعرب تاريخ أو نظام شمسي أو قمري ، علما أن مثل هذه الأنظمة والتواريخ لا يمكن أن توجد إلا في ظل حضارة أي دولة لها كيان وشعب وثقافة وتكنلوجيا معينة وملكا وجيشا وما إلى ذلك من مقومات الحضارات بيد أن العرب لا يعرف عنهم إلا قبائل لكل قبيلة كبيرها ولا تعرف لهم حضارة إلا بعد أن أنعم الله عليهم بالإسلام وبالتالي فلا وجود لتاريخ ولا نظام لا شمسي ولا قمري إلا ما استحدث في ما بعد
ولم يكن مبنيا على علم بل على الجهل الكلي بعلم قياس السنوات ، فأخذ التشريع وغيره من الأحداث وأدخل في نظام مبني على الجهل وسمي الشهر العربي فأصبح كل شيء أدخل فيه يدور وإليكم مايلي :
يقال : إن من ميزة شهر الصيام الذي فرضه الله أنه يدور على الفصول على أساس أن الله هو الذي فعل ذلك حسب زعمهم ، ويظنون أن هذه فضل لشهر الصيام على الشهور الأخرى .
التعليق : لو أخذتم شهرا آخر أيا كان وليكن شوال مثلا ، ألا ترون أنه هو أيضا له هذه الميزة ، وهو أيضا يدور على جميع الفصول ، ويمر بالحر والبرد هو أيضا ، وله نفس الميزة تماما ، وأين هو الفضل إذن ؟
تعليق آخر : نسألكم سؤالا ، في أي فصل كانت الهجرة ؟ فالجواب لا تعرفون ، ثم إنكم تجعلون الهجرة تدور عبر الفصول فمرة تكون الهجرة في الصيف ومرة في الخريف ومرة في الشتاء وهكذا ، فلماذا الهجرة تدور هي أيضا ، وما ذنبها ؟ فهل الهجرة وقعت في جميع الفصول أم أين هو الخلل ؟
تعليق آخر : نسألكم عن غزوة بدر في أي فصل كانت ؟ لا تعرفون ، ولا بد أنها وقعت في فصل دون سائر الفصول ، لكنكم جعلتموها تدور هي أيضا عبر الفصول ، فتارة تكون في الخريف وتارة في الصيف وتارة في الشتاء وهكذا .
تعليق آخر : نسالكم عن مولد النبي في أي فصل ولد النبي ؟ تقولون في الربيع ، طيب ، ولماذا جعلتموه هو أيضا يدور ، فتارة تحتفلون به في الصيف وتارة في الشتاء وتارة في الخريف وهكذا ترحلون به من مكان لآخر ، فهل ولادته كانت متنقلة ؟
خلاصة القول : أن عدة الصيام التي فرضها الله في الوقت الذي ولد فيه القرآن نقلت من مكانها الثابت إلى نظام جاهلي مبني على الجهل ، فلو وضعت فيه غار حراء لرأيت غار حراء يدور .
هذه ذكرى لأولي الألباب .
الكاتب : بنور صالح
_________________
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القرآن هو المصدر الوحيد في التشريع في دين اللهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ