سورة الكهف
سميت بهذا الاسم لذكر قصة أهل الكهف فيها .
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا"المعنى بحكم الرب النافع المفيد الطاعة لله الذى أوحى إلى مملوكه القرآن ولم يضع فيه ظلما،يبين الله للناس أن الله الرحمن الرحيم أى الرب النافع المفيد اسمه أى حكمه هو أن الحمد لله أى الحكم أى الأمر لله مصداق لقوله بسورة الروم"لله الأمر من قبل ومن بعد"وهو الذى أنزل على عبده الكتاب والمراد الذى أوحى الفرقان وهو القرآن إلى مملوكه محمد(ص)مصداق لقوله بسورة الفرقان"الذى نزل الفرقان على عبده"ولم يجعل له عوجا والمراد ولم يضع فيه باطلا مصداق لقوله بسورة فصلت"لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " والخطاب وما بعده للناس.
"قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيها أبدا "المعنى عدلا ليخبر عذابا عظيما من عنده ويخبر المصدقين الذين يفعلون الحسنات أن لهم جزاء كريما مقيمين فيها دوما ،يبين الله للناس أن الكتاب قيم أى عدل وأنه أوحاه له لينذر بأسا شديدا من لدنه والمراد ليخبر عذاب عظيم من عنده مصداق لقوله بسورة إبراهيم"لينذر الناس يوم يأتيهم العذاب "ويبشر المؤمنين أى ويخبر المصدقين وهم المحسنين كما قال بسورة الحج"وبشر المحسنين"وهم الذين يعملون الصالحات أى يفعلون الحسنات أن لهم أجرا حسنا أى ثوابا كبيرا مصداق لقوله بسورة الإسراء"لهم أجرا كبيرا"وهم ماكثين فيها أبدا أى مقيمين أى خالدين فيها دوما مصداق لقوله بسورة البينة "خالدين فيه أبدا".
"وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا"المعنى ويخبر الذين قالوا اصطفى الله ابنا ما لهم به من وحى ولا لآبائهم عظمت قولة تخرج من ألسنتهم إن يزعمون إلا زورا ،يبين الله للناس أن القرآن ينذر أى يخوف بالعذاب الذين قالوا اتخذ الله ولدا أى اصطفى الله ابنا وهذا يعنى أنهم يزعمون أن الله ينجب أولاد،ويبين لنا أن الكفار وآبائهم ليس لهم به أى بذلك القول من علم أى وحى يثبته وإنما هو قول بلا دليل من عند الله ،ويبين أن ذلك القول هو كلمة كبرت أى عظمت فى الخطأ تخرج من أفواههم والمراد تدور على ألسنتهم ويبين لنا أنهم لا يقولون إلا الكذب والمراد إن يزعمون إلا الباطل وهذا يعنى أن لا أصل لتلك الكلمة والخطاب للناس.
"فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا "المعنى فلعلك مذهب نفسك على أحكامهم إن لم يصدقوا بهذا القول غاضبا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قد يبخع نفسه على آثار الكفار والمراد قد يسير نفسه على أحكام الكفار وهذا يعنى أنه قد يأمر نفسه بالسير على دين الكفار أسفا أى غاضبا والسبب يعنى فى غضبه أنهم لم يؤمنوا بهذا الحديث أى لم يصدقوا بهذا الوحى والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا "المعنى إنا خلقنا الذى على الأرض متاعا لها لنختبرهم أيهم أفضل فعلا وإنا لمحولون الذى عليها ترابا مجدبا ،يبين الله لنبيه (ص)أنه جعل ما على الأرض زينة لها والمراد خلق الذى فى الأرض جمال لها أى نفع لها والسبب أن يبلو أى يختبر الناس أيهم أحسن عملا أى أيهم أصلح فعلا وهذا يعنى أن الغرض من خلق الأرض هو امتحان الناس حتى يتميز حسن العمل من سيىء العمل ،ويبين له أنه جاعل ما على الأرض صعيدا جرزا أى محول الذى على الأرض من حياة إلى تراب مجدب والمراد ميت .
"أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا "المعنى لقد ظننت أن سكان الغار والعدد كانوا من علاماتنا غرابة ؟يبين الله لنبيه(ص)لقد حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أى لقد علمت أن أهل الغار والعدد كانوا من علاماتنا اعجازا والغرض هو إخبار الرسول(ص)أن أصحاب الكهف وهو الغار فى الجبل والرقيم وهو العدد المختلف فيه كانوا من آيات الله العجيبة والمراد من معجزات الله الغريبة الإعجاز والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس وما بعده من بقية القصة.
"إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا"المعنى حين ذهب الجمع إلى الغار فقالوا إلهنا أعطنا من عندك نفعا واجعل لنا من أمرنا هدى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الفتية وهم العصبة المؤمنة أووا إلى الكهف أى ذهبوا ليقيموا فى الغار فى الجبل فدعوا الله فقالوا :ربنا أى إلهنا آتنا من لدنك رحمة أى أعطنا من عندك نفعا أى حسنة مصداق لقوله بسورة البقرة "ربنا آتنا فى الدنيا حسنة "وكرروا الطلب فقالوا هيىء لنا من أمرنا رشدا أى اجعل لنا فى شأننا فائدة أى مرفقا مصداق لقوله بنفس السورة "ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " وهذا يعنى أنهم طلبوا من الله أن يفيدهم فى شأنهم برحمته حيث يحميهم من أذى القوم.
"فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا"المعنى فأمسكنا على آذانهم فى الغار سنين كثيرة ثم أحييناهم لنعرف أى الفريقين أعد لما ناموا وقتا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ضرب على آذانهم فى الكهف سنين عددا والمراد أمسك وصول الكلام إلى نفوسهم فى الغار سنوات كثيرة حتى لا يستيقظوا من نومهم وبعد ذلك بعثهم أى أرسلهم للحياة للسبب التالى أن يعلم أى الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا والمراد أن يعرف أى الفريقين أعد للذى مكثوا وقتا وهذا يعنى أن يعرف الفريق الذى عد سنوات غيابهم عدا صحيحا من الفريق الأخر الذى كان عده خاطئا .
"نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا "المعنى نحن نحكى لك خبرهم بالعدل إنهم عصبة صدقوا بخالقهم وأعطيناهم نفعا وطمأنا أنفسهم حين ذهبوا فقالوا إلهنا إله السموات والأرض لن نعبد من غيره ربا لقد تحدثنا إذا كفرا،يبين الله لنبيه(ص)أنه يقص عليه نبأهم بالحق والمراد أنه يحكى له خبر أهل الكهف بالعدل دون زيادة أو نقص ويبين له أنهم فتية أى جماعة الرجال الأقوياء آمنوا بربهم أى صدقوا بحكم خالقهم ويبين له أنه زادهم هدى أى أعطاهم نفعا هو الوحى الذى صدقوا به ،ويبين له أنه ربط على قلوب الفتية أى أمسك على أنفسهم والمراد طمأن نفوسهم حين قاموا أى ذهبوا للغار فقالوا :ربنا أى خالقنا رب أى خالق السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها والمراد لن نطيع من غير حكمه حكم رب مزعوم سواه وهذا يعنى أنهم لن يتبعوا دينا غير دين الله ،وقالوا لقد قلنا إذا شططا أى لقد تحدثنا إذا كفرا وهذا يعنى أن عبادة غير الله هى الشطط أى الكفر .
"هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه إلها لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا "المعنى هؤلاء أهلنا أطاعوا من سواه ربا هلا يجيئون عليهم بوحى معلوم فمن أكفر ممن نسب إلى الله باطلا،يبين الله لنبيه(ص)أن الفتية قال أحدهم لهم :هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه إلها والمراد هؤلاء أهلنا عبدوا من غيره ربا وهذا يعنى أن شعبهم عبد آلهة مزعومة وترك عبادة الله،وقالوا لولا يأتون عليهم بسلطان بين أى هلا يجيئون عليهم بدليل ظاهر،وهذا يعنى أنهم يطلبون من قومهم إظهار وحى صادق يدل على وجوب عبادة الآلهة المزعومة ،وقال فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أى فمن أكفر ممن نسب إلى الله باطلا،وهذا يعنى أن الكافر هو الذى قال من نفسه أقوال كاذبة ثم قال إن الله هو الذى قالها وليس هو .
"وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا "المعنى وإذا تركتموهم وما يطيعون إلا الله فاذهبوا إلى الغار يجعل لكم إلهكم من نفعه ويمهد لكم فى شأنكم سبيلا ،يبين الله لنبيه(ص) أن أحد الفتية قال لهم :وإذ اعتزلتموهم أى وإذا تركتم المعيشة مع أهلكم وتركتم ما يعبدون أى الذى يطيعون إلا الله فأووا إلى الكهف والمراد فأقيموا فى الغار وهذا يعنى أن الفتية تركوا الحياة مع قومهم كما تركوا عبادة آلهتهم ما عدا الله الذى يطيعون دينه وقد طلب منهم صاحبهم أن يقيموا فى الكهف ثم بين لهم سبب ذلك بقوله ينشر لكم ربكم من رحمته أى يعطى لكم إلهكم من نفعه وفسر ذلك فقال ويهيىء لكم من أمركم مرفقا أى ويمهد لكم فى شأنكم سبيلا والمراد ويعطى لكم فى شأنكم رشدا أى نفعا وهذا يعنى أن الله سييسر لهم الحياة فى الكهف حتى لا يؤذيهم قومهم .
"وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وذات الشمال وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم فى فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا "المعنى وتشاهد الشمس إذا أشرقت تتباعد عن غارهم جهة اليمين وإذا مالت تقطعهم جهة الشمال وهم فى بعض منه ذلك من علامات الله من يقرب الله فهو القريب ومن يبعد فلن تلق له ناصرا هاديا ،يبين الله لنبيه (ص) أنه يرى أى يشهد والمراد أن عليه أن يعرف أن الشمس إذا طلعت أى أشرقت فى مكان الكهف تزاور عن كهفهم أى تتباعد عن غارهم ذات اليمين أى جهة اليمين والسبب أن أشعة شمس الإشراق قوية ومن ثم قد تؤذى أجسامهم بسبب قوتها وإذا غربت أى وإذا مالت للغروب تقرضهم أى تقطعهم أى تنزل على أجسامهم ذات أى جهة الشمال والسبب هو أن أشعة شمس الغروب ضعيفة ومن ثم ستفيدهم ولن تضرهم وهم فى فجوة من الكهف والمراد أنهم فى فتحة من فتحات الغار نائمين ويبين له أن ذلك من آيات وهى معجزات أى علامات الله الدالة على وحدانيته وقدرته الفريدة ويبين له أن من يهد الله أى أن من يرحم الله فهو المهتد أى المرحوم من العذاب وأما من يضل أى يعذب فلن يجد أى يلق له وليا مرشدا أى ناصرا نافعا وهذا يعنى أن المعذب ليس له من ينجيه من العذاب .
"وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا "المعنى وتظنهم أحياء وهم نيام ونحركهم جهة اليمين وجهة الشمال وكلبهم فارد يديه بالباب ،لو شهدتهم لجريت منهم هربا ولملئت منهم خوفا ،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو رأهم يحسبهم أيقاظا وهم رقود والمراد يظنهم صاحين وهم نيام وهذا يعنى أن أجسامهم كانت فى حالة صحيان فالعيون مفتوحة رغم نومهم ويبين له أنه كان يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال والمراد يحركهم جهة اليمين وجهة الشمال حتى لا تتأثر أجنابهم بالنوم الطويل عليها دون تقلب وفى نفس الوقت كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد أى فارد يديه بالباب وهذا يعنى أن الكلب ظل على هيئته دون حركة طوال المدة وهنا يرينا الله قدرته فقد حافظ على أجسام الفتية بالحركة وحافظ على جسم الكلب بالثبات وهذا يعرفنا أن قدرته لا تحدها العوائق والحدود ولا تقف فى طريقها العوائق والسدود ،ويبين له أنه لو اطلع عليهم والمراد لو شاهدهم فى الحقيقة لولى منهم فرارا أى لجرى منهم هربا ولملئ منهم رعبا أى ولملء منهم خوفا وهذا يعنى أن سبب الجرى هربا هو الخوف من منظرهم وهكذا كان منظر الفتية وكلبهم حامى لهم ومنقذ من أى محاولة للإيذاء.
"وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا "المعنى وهكذا أيقظناهم ليستفهموا بعضهم قال واحد منهم كم نمتم قالوا نمنا يوما أو بعض يوم قالوا إلهكم أدرى بما نمتم فأرسلوا أحدكم بنقودكم هذه إلى البلدة فليختر أيها أطهر أكلا فيجيئكم بنفع منه وليتخفى ولا يعلمن بكم أحدا إنهم إن ينتصروا عليكم يقتلوكم أو يرجعوكم إلى دينهم ولن تفوزوا إذا دوما ،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بأمر بعثهم أى أحياهم الله حتى يتساءلوا بينهم أى حتى يستخبروا بعضهم البعض فقال قائل أى واحد منهم:كم لبثتم أى كم نمتم ؟والسبب فى سؤاله هذا هو أنه رأى منظرهم غريبا لا يدل على النوم العادى فقالوا له :لبثنا أى نمنا يوما أو بعض أى جزء من اليوم وهؤلاء أجابوا الإجابة العادية لأنهم فى عاداتهم وعاداتنا أن الإنسان قد ينام يوما أو جزء من اليوم ،ويبين له أن الفتية لما رأوا مناظرهم عرفوا أنهم ناموا أكثر من المدة التى ذكروا بكثير فقالوا لبعضهم ربكم أعلم بما لبثتم أى إلهكم أعرف بالمدة التى نمتم ثم قال أحدهم :فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة والمراد فأرسلوا واحد منكم بنقودكم هذه إلى البلدة فلينظر أيها أزكى طعاما أى فليعرف أيها أحل أى أطيب أكلا فليأتكم برزق منه أى فليجيئكم ببعض منه وليتلطف أى وليتخفى ولا يشعرن بكم أحدا والمراد ولا يعلمن بكم إنسان وهذا يعنى أن الفتية كانوا محتاجين للطعام فأوصاهم أخاهم أن يذهب واحد منهم للمدينة لإحضار الطعام بعد شرائه بالمال ونلاحظ قوله "أزكى طعاما"أنهم يعرفون الطعام المحرم من الطعام الحلال ونلاحظ أنه يريد من الذاهب للمدينة التخفى والتنكر حتى لا يعرفه أحد ويريد منه ألا يخبر أحد فى المدينة بأمرهم وبين لهم الأخ:إنهم إن يظهروا عليكم أى إن يعلموا بكم والمراد إن يجدوكم يرجموكم أى يقتلوكم أو يعيدوكم فى ملتهم والمراد أو يرجعوكم إلى دينهم ولن تفلحوا أى ولن تنجحوا إذا دائما ،وهذا يعنى أن الأخ يبصر أصحابه بأن نتيجة تعرف القوم عليهم واحدة من اثنين :الأولى الرجم وهو القتل والثانية الإعادة إلى ملة القوم وهو الرجوع إلى دين الناس وهو الكفر ونتيجة العودة لدين الكفر هى أنهم لن يفلحوا أبدا أى لن يفوزوا برحمة الله دوما .
"وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا"المعنى وهكذا أعلمنا بهم ليعرفوا أن قول الله صدق وأن القيامة لا شك فيها إذ يختلفون بينهم فى شأنهم فقالوا اجعلوا لهم قبرا خالقهم أعرف بهم قال الذين انتصروا فى حكمهم لنبنين لهم مسجدا ،يبين الله لنبيه(ص)أن كذلك أى بتلك الطريقة وهى النزول لشراء الطعام من البلدة أعثر الله عليهم أى أعلم الله الناس بأمرهم والسبب حتى يعلموا أى يعرفوا التالى إن وعد الله حق أى أن قول الله صدق وأن الساعة لا ريب فيها والمراد أن القيامة لا شك فى حدوثها ،ويبين له أن بعد موت الفتية تم العثور عليهم فتنازعوا أمرهم بينهم أى اختلف أهل البلد فى شأن ما يفعلون بالفتية فيما بينهم فقال البعض :ابنوا عليهم بنيانا والمراد اجعلوا لهم قبرا ربهم أعلم أى خالقهم أعرف بهم وهذا يعنى أن هذا الفريق كان يريد دفنهم كما هو متبع مع أى ميت فى المدافن ويبين له أن الذين غلبوا على أمرهم وهم الذين انتصروا لقولهم على الفريق الآخر قالوا :لنتخذن عليهم مسجدا أى لنبنين لهم مصلى وهذا يعنى أن القوم أقاموا لهم ضريح وجعلوا حول الضريح مصلى للناس .
"سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليلا فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا"المعنى سيزعمون ثلاثة رابعهم كلبهم ويزعمون خمسة سادسهم كلبهم ظنا للمجهول ويقولون سبعة ثامنهم كلبهم قل إلهى أعرف بعددهم ما يعرفهم إلا قليلا فلا تجادل فيهم جدالا عظيما ولا تسأل عنهم منهم إنسانا ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس سيقولون أى سيزعمون عن عدد أهل الكهف أقوال هى ثلاثة رابعهم كلبهم ،وخمسة سادسهم كلبهم وهى رجم بالغيب أى جهلا بالخفى وهذا يعنى أنها أقوال كاذبة ،ويبين له أن بعض الناس يقولون سبعة وثامنهم كلبهم وهذا هو القول الصحيح فلم يصفه الله بأنه جهل للغيب ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس ربى أعلم بعدتهم أى إلهى أعرف بعدد أهل الكهف ما يعلمهم إلا قليلا والمراد ما يعرفهم سوى عدد قليل من الناس ثم يطلب الله من نبيه(ص)ألا يمارى فيهم إلا مراء ظاهرا والمراد ألا يجادل فى عددهم إلا جدال واضح ينتصر فيه ويطلب منهم ألا يستفتى فيهم منهم أحدا والمراد ألا يسأل فى أهل الكهف من الناس إنسانا لأنه قد عرفه العدو الحقيقى .
"ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشدا"المعنى ولا تقولن لعمل إنى صانع ذلك مستقبلا إلا أن يريد الله وأطع إلهك إذا عصيت وقل لعل إلهى يدخلنى فى أفضل من الدنيا متاعا ،ينهى الله نبيه(ص)أن يقول لشىء أى عمل :إنى فاعل ذلك غدا أى إنى صانع ذلك مستقبلا إلا أن يشاء أى يريد الله وهذا يعنى أن يقول إذا أراد عمل شىء فى المستقبل سأعمل إن شاء الله كذا،ويطلب الله من نبيه (ص)أن يذكر ربه إذا نسى أى أن يطيع حكم خالقه إذا خالف الحكم والمراد أن يبصر الحق إذا مسه طائف من الشيطان مصداق لقوله بسورة الأعراف"إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون "ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشدا والمراد عسى أن يبعثنى إلهى لأفضل من الدنيا مقاما ،وهذا يعنى أن الله يدخله المقام المحمود وهو الجنة .
"ولبثوا فى كهفهم ثلاث مائة سنين عددا وازدادوا تسعا "المعنى وناموا فى غارهم 300عاما حسابا وكثروا تسعا ،يبين الله لنبيه (ص)أن القوم لبثوا فى كهفهم أى ناموا فى غارهم مدة قدرها309عام بالحساب وهو العدد .
"قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولى ولا يشرك فى حكمه أحدا"المعنى قل الله أعرف بما مكثوا له المجهول فى السموات والأرض أعلم به أى أدرى ،ما لهم من سواه من ناصر ولا يقاسم فى أمره شريكا،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول الله أعلم بما لبثوا والمراد إن الله أعرف بما نام أهل الكهف فى كهفهم ،له غيب أى خفى السموات والأرض أبصر به أى أسمع والمراد أعرف به وهذا يعنى أن الله يعرف كل شىء مسرور أى مكتوم فى الكون مصداق لقوله بسورة الفرقان"الذى يعلم السر فى السموات والأرض"، ما لهم من دونه أى غيره من ولى أى ناصر ينقذهم من العقاب مصداق لقوله بسورة البقرة "وما للظالمين من أنصار" وهذا يعنى أن الكفار ليس لهم ناصر ينقذهم من عذاب الله،ولا يشرك فى حكمه أحدا أى ولا يقاسم فى ملكه شريكا مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولم يكن له شريك فى الملك"وهذا يعنى أن حكم الكون من اختصاص الله وحده.
"واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا"المعنى وأطع ما ألقى لك من كلام إلهك لا مغير لأحكامه ولن تلق من سواه ناصرا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يتلو ما أوحى إليه من كتاب ربه والمراد أن يطيع الذى ألقى من قرآن خالقه ،ويبين له أن لا مبدل لكلماته أى لا مغير أى لا محول لسننه وهى أحكامه مصداق لقوله بسورة فاطر"ولن تجد لسنة الله تحويلا"،ويبين له أنه لن يجد من دونه ملتحدا والمراد أنه لن يلق من سوى الله نصيرا مصداق لقوله بسورة الإسراء"ثم لا تجد لك علينا نصيرا"وهذا يعنى أنه لن ينقذه من عقاب الله سوى الله نفسه والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"المعنى وأمسك نفسك مع الذين يطيعون إلههم بالنهار والليل يطلبون ثوابه ولا تمد نفسك لهم تطلب متاع المعيشة الأولى ولا تتبع من شغلنا نفسه عن طاعتنا وأطاع ظنه وكان أمره إسرافا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى والمراد أن يدخل نفسه مع الذين يطيعون حكم خالقهم بالنهار والليل أى يسبحون أى يتبعون حكم الرب مصداق لقوله بسورة الإنسان"فاصبر لحكم ربك" والسبب فى طاعتهم أنهم يريدون وجهه أى يطلبون فضل أى رضوان وهو رحمة الله مصداق لقوله بسورة المائدة"يبتغون فضلا من ربهم أى رضوان" وينهاه فيقول لا تعد عيناك عنهم أى لا تبعد نفسك عنهم والمراد ألا يخالف بنفسه عن جماعة المطيعين فيطيع الشيطان ويبين له السبب فى مخالفة المطيعين لحكم الله وهو أنه فى تلك الحال يريد زينة الحياة الدنيا أى يحب متاع المعيشة الأولى وفسر هذا بألا يطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا والمراد ألا يتبع حكم من شغلنا نفسه عن طاعة حكمنا وفسر غافل القلب بأنه من اتبع هواه أى من أطاع حكم نفسه وترك حكم الله ،ويبين أن أمره فرطا أى أن حكم الكافر تركا لطاعة حكم الله والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا"المعنى وقل العدل من خالقكم فمن أراد فليصدق ومن أراد فليكذب إنا جهزنا للكافرين جحيما حف بهم سورها وإن يستنجدوا ينجدوا بماء كالزيت يؤلم النفوس بئس الروى وقبحت مقاما ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :الحق من ربكم أى القرآن هو العدل من خالقكم فمن شاء فليؤمن أى فمن أراد فليصدق ومن شاء فليكفر أى ومن أراد فليكذب وهذا يعنى حرية التصرف إيمانا وكفرا ،إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرداقها والمراد إن جهزنا للكافرين عذابا حف بهم سوره مصداق لقوله بسورة النساء"وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا" وهذا يعنى أن سور جهنم يحيط بالكافرين ويمنعهم من الخروج وهم إن يستغيثوا أى يطلبوا النجدة يغاثوا أى ينجدوا بماء يشبه المهل وهو الزيت المغلى وهو يشوى الوجوه أى يؤلم النفوس ويبين له أن هذا الماء بئس الشراب أى قبح السائل المسقى وساءت مرتفقا أى وقبحت مقاما مصداق لقوله بسورة الفرقان"إنها ساءت مستقرا ومقاما".
"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا "المعنى إن الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات إنا لا نخسر ثواب من أصلح فعلا أولئك لهم حدائق خالدة تسير من أسفل أرضهم العيون يرتدون فيها من حلى من ذهب ويرتدون ملابسا خضراء من حرير واستبرق راقدين فيها على الفرش حسن الأجر وحسنت مقاما ،يبين الله للناس كسابقه على لسان نبيه(ص)أن الذين آمنوا أى صدقوا بوحى الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات لهم جنات عدن والمراد لهم نعيم مقيم تجرى من تحتهم الأنهار والمراد تسير فى أسفل أرضهم العيون ذات الأشربة اللذيذة وهم يحلون فيها من أساور من ذهب والمراد يزينون فى الجنة من حلى من ذهب وهم يلبسون ثيابا خضرا والمراد يرتدون ملابسا خضراء اللون من سندس أى حرير ناعم واستبرق وهو نسيج له بريق وهم متكئين فيها على الأرائك والمراد راقدين متقابلين فى الجنة على الأسرة مصداق لقوله بسورة الصافات"فى جنات النعيم على سرر متقابلين" وهذا هو نعم الثواب أى حسن دار المتقين مصداق لقوله بسورة آل عمران"ولنعم دار المتقين"وهى حسنت مرتفقا أى نعمت مستقرا أى مقاما مصداق لقوله بسورة الفرقان"حسنت مستقرا ومقاما"ويبين أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا والمراد أنه لا يخسر ثواب من أصلح صنعا مصداق لقوله بسورة الأعراف"إنا لا نضيع أجر المصلحين "وهذا يعنى أنه يدخلهم الجنة والخطاب وما بعده من القصة للنبى(ص)ومنه للناس .
"واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا"المعنى وقل لهما قولا ذكرين أعطينا لأحدهما حديقتين من عنب وأحطناهما بنخل وخلقنا فيهما زرعا ،كلتا الحديقتين أعطت ثمرها ولم تنقص منه بعضا وأجرينا فيهما عينا فقال لصديقه وهو يجادله أنا أعظم منك ملكا وأقوى ناسا ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يضرب للناس مثلا والمراد أن يقص على الناس قصة رجلين جعل أى أعطى الله أحدهما جنتين أى حديقتين نباتهما الرئيسى هو الأعناب وقد حفهما بنخل والمراد وقد جعل حول الحديقتين سور من أشجار النخيل لحمايتهم وجعل بين شجر العنب وأشجار النخيل زرع وهذا يعنى أن الحديقتين تنتجان ثلاث محاصيل العنب والنخل والزرع وكل من الحديقتين أتت أكلها أى أعطت ثمارها ولم تظلم منه شيئا والمراد ولم تنقص من الثمار بعضا وقد فجر خلالهما نهرا والمراد وقد سير الله فى أرضهما عينا وهذا يعنى أنه جعل فيها مصدر لسقى الماء وكان للرجل ثمر أى نتاج أى مال عظيم من المحاصيل الثلاثة فقال لصاحبه وهو صديقه وهو يحاوره أى يكلمه :أن أكثر منك مالا أى أنا أعظم منك ملكا وأعز نفرا أى وأقوى ناسا وهذا يعنى أنه يفتخر بالمال وكثرة عدد أسرته.
"ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا "المعنى وولج حديقته وهو باخس حقه قال ما أعتقد أن تهلك هذه اطلاقا وما أعتقد القيامة واقعة ولئن عدت إلى إلهى لألقين أحسن منها مرجعا ،يبين الله لنبيه(ص)أن عليه أن يقول للناس أن صاحب الجنتين دخل جنته أى ولج حديقته وهو ظالم لنفسه أى وهو مهلك لنفسه :ما أظن أن تبيد هذه أبدا أى ما أعتقد أن تهلك هذه دائما وهذا يعنى أنه يعتقد أن الدنيا باقية دوما لا تفنى ،وما أظن الساعة قائمة والمراد وما أعتقد القيامة حادثة وهذا يعنى أنه لا يؤمن بالبعث ،ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيرا منها منقلبا والمراد ولئن عدت إلى خالقى لألقين أفضل منها مرجعا وهذا يعنى أنه يعتقد أن القيامة لو حدثت فإن الله سيعطيه الحسنى وهى الجنة كما أعطاه فى الدنيا مصداق لقوله بسورة فصلت "ولئن رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى ".
"قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا "المعنى قال له صديقه وهو يجادله أكذبت بالذى أنشأك من غبار ثم من منى ثم صورك ذكرا لكن هو الله إلهى ولا أعبد مع إلهى ربا أخر ؟،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس :إن صاحب أى صديق صاحب الجنتين قال له وهو يحاوره أى يناقشه فى أحكامه الضالة :أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا أى هل كذبت بحكم خالقك الذى أبدعك من طين ثم من منى ثم صورك ذكرا ؟والغرض من السؤال هو إخبار صاحب الجنتين أن أصل الإنسان تراب أكله أبواه فى صورة أطعمة متنوعة ثم تحول فيهما لنطفة أى لمنى فخلقه من جزء من المنى ثم صوره ذكرا وما دام هو الرب أى الخالق فهو وحده المستحق للعبادة ليس معه آلهة مزعومة ،وقال لكنا هو الله ربى أى خالقى ولا أشرك بربى أحدا والمراد ولا أعبد مع خالقى ربا مزعوما وهذا يعنى أنه يخص الله وحده بالعبادة .
"ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل مالا وولدا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا "المعنى ولولا إذ ولجت حديقتك قلت ما أراد الله لا عزة إلا بطاعة الله إن تعلمنى أنا أنقص منك ملكا وعيالا فعسى إلهى أن يعطينى أفضل من حديقتك ويبعث عليها هلاكا من السحاب فتكون ترابا محترقا أو يكون ماؤها بعيدا فلن تقدر له جلبا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس:أن الصاحب قال للرجل الظالم:ولولا إذ دخلت جنتك والمراد هلا إذ ذهبت لحديقتك قلت ما شاء الله أى الذى أراد الله لا قوة إلا بالله والمراد لا عزة إلا بطاعة حكم الله وهذا يعنى أن الله قال أن القوة لا تستمد إلا من طاعة حكم الله ،إن ترن أنا أقل مالا وولدا أى إن تعرفنى أنقص منك ملكا وعيالا فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك والمراد فعسى خالقى أن يعطينى أحسن من حديقتك ،وهذا يعنى أن الرجل يريد من الله أن ينصره على صاحبه بسبب كفره ،ويرسل عليها حسبانا من السماء أى ويبعث على الجنة هلاكا من السحاب فتصبح صعيدا زلقا أى فتكون ترابا محترقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا والمراد أو يكون ماؤها بعيدا فلن تقدر له جلبا وهذا يعنى أن الله سيهلك حديقته إما بنار من السماء أو بإبعاد للماء فى أعماق الأرض حتى لا يستطيع سقيها وهذا إخبار للمالك أن الله كما يعطى يقدر على الأخذ بأى طريقة يريد.
"وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها ويقول يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا"المعنى وأهلكت حديقته فأصبح يحرك يديه على ما صرف عليها وهى خالية على فروعها ويقول يا ليتنى لم أعبد مع إلهى أحدا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس أن ثمر وهو حديقة الرجل أحيط به أى أهلك إهلاكا تاما فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها والمراد فأصبح يضرب يديه ببعضهما والسبب فى هذا الفعل الدال على الندم هو التحسر على ما أنفق فيها أى على ما صرف فيها والمراد على ما صنع فيها وهى خاوية على عروشها والمراد وهى خالية من الثمر على غصونها وهذا يعنى أن الهلاك النازل بها لم يجعل لها أى ثمر وإن كان أبقى على الأشجار ميتة بمعنى أنها خشب فقط ،عند ذلك قال الرجل:يا ليتنى لم أشرك بربى أحدا أى يا ليتنى لم أعبد مع خالقى أحدا وهذا ندم حيث لا ينفع الندم.
"ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا "المعنى ولم تكن له جماعة ينقذونه من غير الله وما كان غالبا هنالك النصر لله العدل هو أحسن أجرا أى أفضل مرجعا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس أن مالك الجنة لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله والمراد لم تكن له جماعة ينقذونه من غير الله من عقاب الله له بهلاك الجنتين وهو ما كان منتصرا أى قاهرا لحكم الله ويبين الله لنا أن هنالك والمراد عند الحساب الولاية لله الحق والمراد النصر لله العدل وهذا يعنى أن الله ينتصر من المخلوق الظالم بالعدل ،ويبين أن الله خير ثوابا أى عقبا والمراد أحسن أجرا وهو الجنة .
"واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شىء مقتدرا"المعنى وقل لهم شبه المعيشة الأولى كماء أسقطناه من السحاب فامتزج به نبات الأرض فأصبح حطاما تبعثره الرياح وكان الله لكل أمر فاعل ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يضرب للناس مثل الحياة الدنيا والمراد أن يقول للخلق شبه المعيشة الأولى وهو ماء أنزله من السماء أى ماء أسقطه من السحاب فاختلط به نبات الأرض والمراد فنما به زرع الأرض ثم أصبح هشيما أى حطاما تذروه الرياح أى يبعثره الهواء المتحرك وهذا يعنى أن متاع الدنيا يشبه الماء الذى ينمو به الزرع ثم يفنى الزرع بعد ذلك فى كل مكان وهذا يعنى أن المتاع له عمر قصير كعمر الزرع ثم يموت بعده ،ويبين لنا أنه على كل شىء مقتدرا أى لكل أمر فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"والخطاب وما بعده للنبى.